فاروق جويدة
لم يكن المواطن المصري حمادة صابر صاحب أشهر قضية سحل في تاريخ الدولة المصرية يتصور انه سيكون حديث العالم وهو يقف زائغ النظرات امام قصر الاتحادية.. انه في رحاب الرئاسة.. وامام بوابة القصر العتيق.
حيث يوجد أول رئيس مصري منتخب.. لقد سمع كثيرا عن الثورة وان كان لم يشارك فيها, انه عامل بسيط يبحث عن قوت يومه ومنذ قامت الثورة وهو لايجد عملا إلا في حالات نادرة.. سمع كثيرا عن المكاسب التي ستحملها الثورة للمواطن المصري.. قالوا ان الملايين التي هرب بها رموز النظام السابق سوف تعود وان نصيب كل مواطن سوف يصل إلي70 الف جنيه واكتشف حمادة صابر ان القصة كلها تضليل في تضليل..ليس له في السياسة انه عامل محارة بسيط قضي كل سنوات عمره بين الرمال التي اكلت نصف عمره..فجأة وجد رأسه تحت عشرات الأقدام والأحذية السوداء تنهال عليه وتلقي به بعيدا ثم تطرحه أرضا..كانت الأقدام ثقيلة وكانت روائحها كريهة يخرج منها غبار اسود وكانت الصرخات والشتائم قذائف من نار تحاصر جسده المتعب..في هذا اليوم لم يكن قد عاد إلي بيته من أول النهار فلم يأكل شيئا..كان بطنه خاويا ورغم برودة الجو كان يشعر بالعطش..حين انهالت عليه الأحذية السوداء وروائحها الكريهة تمني لو ان احدا قدم له بعض الماء حين شعر بالدوار..لم يشعر والأحذية تحاصر جسده المنهار, ان ملابسه القديمة قد هربت من جسده وانه اصبح عاريا تماما..حاول ان يقنع نفسه انه يعيش حلما كئيبا وان ما يدور حوله مجرد كابوس ثقيل ولكن جسده العاري كان يئن علي برودة الأسفلت وسرت في جسده رعشة تشبه الموت..لم يكن لديه كلام فقد دخل لسانه في جوفه فلم ينطق بشيء..كان يتمني ان يصحو من هذا الكابوس الأسود ليعود لأبنائه ويطوي هذه الصفحة السوداء المظلمة..حاول ان يخفي حقيقة ما حدث ولم يستطع ذلك حين وقف علي الرصيف وشاهد جسده العاري والملايين ينظرون إليه حين افاق من الكابوس سمع اغنية قديمة كان يحبها.. المصريين اهمه..المصريين اهمه وسمع صوتا يأتي من بعيد.. ندالة وبطش وخراب ذمة.
نقلاً عن جريدة "الأهرام"