فاروق جويدة
لكل شئ في هذه الحياة إشعاع خاص يتسلل امام الناس يشعرهم بقيمته وتأثيره وحين يسقط هذا الشئ يتساوي الماس مع التراب.. ويتساوي ماء النهر مع بقايا المستنقعات.
وهذا الشئ الذي يضئ ويشع يمنح صاحبه البهاء والجلال والهيبة.. ومن هذه الهيبة نعرف قيمة هذه الأشياء.. فالدولة ليست مجموعات من المكاتب والمؤسسات التي تجمع مئات الآلاف من الموظفين والمسئولين واصحاب القرار ولكن الدولة قرار حاسم وموقف جاد وإحساس بالأمان توفره لكل رعاياها.. وحين تسقط هيبة الدولة تتحول الي مجرد اشباح تتحرك في فراغ سحيق.. وحين يتحول كبير الأسرة الي بهلوان يفقد احترام الأبناء ولا يجد منهم غير النكران والجحود.. وحين يسقط عرش الأمومة يسقط معها موكب الرحمة والحنان..وحين يبخل النهر بالماء يتحول الي برك ومستنقعات تأوي الطحالب.. وهذا يعني أن الأشياء تستمد القيمة من الأثر وحين تفقد القيمة يتراجع الدور والأهمية..
والحضارات في التاريخ كانت مجموعة ادوار صنعها البشر بالإنجاز والعبقرية وحين سقط البشر سقطت الحضارات وتحولت الي هياكل تاريخية تحكي عن الماضي ولا تصنع الحاضر أو المستقبل.. انها مجرد شواهد علي مجد مضي وتستمد قيمتها وتتحول الي جزء من ذاكرة التاريخ والشعوب.. هناك فرق كبير بين انسان يتكلم ونراه.. وتمثال لا نبض فيه ولا حياة.. ان قيمة الإنسان انه كائن حي صاحب دور ورسالة.. ولكن التمثال زائر من زمن آخر انتهي وبقيت شواهده..وشواهد الأشياء لا يمكن ان تكون بديلا عن حضورها.. وفي احيان كثيرة تسقط هيبة الأشياء وتتراجع معها الأدوار والمسئوليات والإنجاز..ولهذا تظهر معادن الشعوب والأوطان ويتجسد ذلك في صراع دائم نحو المستقبل هناك من يريد ان يقتنص مساحة اكبر فيه وهناك من لا يملك فيه شيئا علي الإطلاق..إذا نظرت الي شخص ما اسأل عن قيمته..وإذا شاهدت وطنا ما ابحث عن مكانته..وإذا زرت مكانا لا تبهرك الوانه الخادعة ابحث عن محتوي هذا المكان ومن من البشر يسكنه وماهي قيمة الأشياء فيه..وإذا رأيت امة اكتفت بالكلام عن الفعل وبالصراعات عن العمل وبالجدل عن الهيبة.
اقرأ عليها الفاتحة.
نقلا عن جريدة " الأهرام ".