مصر اليوم
الإفلاس الحقيقي ان تخسر رصيد ذكرياتك في رحلة العمر..والذكريات ليست فقط ذكري لقاء في قصة حب انتهت وطوتها الأيام ولكن الذكريات هي اغلي ما تركت لنا الحياة
ونحن نعانق شواطئ الخريف بعد رحلة سفر طالت..ان للاماكن جزءا وللمشاعر جزءا.. وللأصدقاء جزءا وللأحبة جزءا حتي ولو رحلوا اجزاء كثيرة في سجل ذكرياتنا.. إن دعاء الأم ذكري ونصائح الأب ذكري والجار العزيز يحفظ للمكان قدسيته..واصدقاء العمل نفتقد تواصلهم إذا غابوا أو ابعدتهم الظروف والأيام.. وفي بعض مراحل العمر يستطيع الإنسان ان يجمع رصيدا ضخما من الذكريات في شبابنا ما اكثر الناس حولنا.. وفي نجاحاتنا ما اكثر الفرص التي تتاح لنا وفي معاركنا المنتصرة تجد بجانبك الف مشجع وشريك.. وحين يزورنا الحب في الوقت المناسب والعمر المناسب نعيشه بكل دقة قلب وكل انتفاضة شوق وكل نظرة عين.. ومع الأيام وسنوات العمر ينفض المولد من حولنا ويتراجع رصيد الذكريات.. إن للحب مواسم وقليلا ما يجئ في غير مواسمه وللأصدقاء مناطق في العمر حين تجمعهم احلاما واقدارا وحظوظا إذا كان من السهل في شبابنا ان نجد كل الأشياء حولنا فإن الخريف بخيل في كل شئ في مشاعره وصداقاته وايضا ذكرياته.
ومن الصعب ان يحتفظ الإنسان بكل رصيده من الذكريات, إنها تتناقص وتتراجع مع الأيام هناك ذكريات من الذهب لا تصدأ وهناك ذكريات من الصفيح لا تستطيع ان تقاوم برودة الأيام وصقيع الوحدة..ان الزهور الجميلة التي تزين وجه الحياة تعيش اياما قليلة ثم تتساقط اوراقها ولكن الأشجار العتيقة تقاوم قسوة الزمن فلا تعبث بها الرياح ولا تدمرها العواصف..وذكريات الحب زهور جميلة سرعان ما تختفي من ايامنا وان تركت خلفها بعض العطر وبعض الأشواك وقليلا من قصص الحب يتحول الي اشجار ضخمة تواجه العواصف وتحمي نفسها من كل شئ..إن الأبوة شجرة..والأمومة شجرة والأصدقاء الأوفياء اشجار شامخة..والحب حين يتسلل الي قلوبنا ويسري في دمائنا يتحول الي حديقة من الذكريات نعيش فيها كل المشاعر فنحب الأماكن التي سكناها..والوطن الذي عشنا فيه ورعي احلامنا والأحبة حتي ولو فارقونا ونشعر ان هذا الحب يغطي الكون كله
نقلاً عن جريدة "الأهرام"