فاروق جويدة
من يقف علي عرفات لا يتصور ان يجتمع هذا العدد من البشر في هذا المكان وفي هذا التوقيت.. ان يوم عرفات معجزة من معجزات الإسلام.. ان تتوحد هذه القلوب في دعائها ومشاعرها وصلواتها..
في توقيت واحد يندفع ملايين البشر من كل فج عميق يتجهون الي هذه المساحة الجغرافية المحدودة.. يصل عدد الحجاج احيانا الي اكثر من اربعة ملايين حاج..كيف يذهبون الي عرفات في وقت واحد وكيف يرتدون نفس الثياب وتجمعهم نفس الخيام.. يأكلون في وقت واحد ويؤدون الصلوات معا وخلال ساعات محدودة يجتمعون ويؤدون الشعائر ثم ينصرفون في هدوء وسكينة.. هذا النظام وهذا الانضباط وهذه المشاعر كانت شيئا غريبا علي هذا الكون.. لا يوجد حشد في العالم يجتمع في مكان واحد مثل يوم عرفات وفي اكثر الدول تقدما وانضباطا لا يمكن مرور يوم بهذه الصورة.. السيارات بالآلاف تتجه الي عرفات دون ان تصطدم سيارة بالأخري ودون ان تشهد الطرق جريمة واحدة لأن الجميع يتجه الي الله.. في يوم عرفات منظومة من القيم والسلوكيات التي قدمها الإسلام للبشر..في وقت واحد وزمان واحد ومكان واحد يقف اربعة ملايين انسان..هذه معجزة في الإدارة والعمل والإنجاز, وبعد ان ينتهي اليوم وقد صلي الجميع ونزلوا من عرفات كيوم ولدتهم امهاتهم يعيدون نفس المسيرة في طريق العودة, تتحرك السيارات ويمشي مئات الآلاف علي اقدامهم يندفع الملايين في اكثر من اتجاه تحرسهم رعاية الله لأن قلوبهم المطمئنة تنير لهم كل طريق.. كلما فكرت في يوم عرفة: السلوك والشعائر والمسئولية رأيت فيه نموذجا من نماذج الوحدة في الإسلام, انها حشود ضخمة ولكنها تدرك المسئولية ولهذا يحافظ كل انسان علي رفيقه في أداء الشعائر..كيف توفر الشرطة السعودية الأمن لكل هذه الملايين..كيف تتوافر المواصلات التي تحملهم ذهابا وعودة..كيف يتم إطعام اربعة ملايين انسان خلال ساعات قليلة وكيف يتم توفير المياه اللازمة للشرب والوضوء وسط هذه الحرارة العالية وقبل هذا كله كيف يتوافر الإنضباط لأربعة ملايين انسان في مكان واحد وتوقيت واحد وشعائر واحدة..يوم عرفات معجزة من معجزات السماء تساندها ارادة بشرية واعية
نقلاً عن "الأهرام"