فاروق جويدة
رحل عمنا أحمد فؤاد نجم, لم اعرفه عن قرب والتقينا مرات قليلة في لقاءات عابرة رغم انني كنت محبا للغته الشعرية شديدة الصرامة والواقعية والبساطة فلم يكن شاعرا كبيرا فقط بل كان عاشقا من عشاق مصر الكبار..
كنت اتابع مع الملايين رحلته مع الشيخ امام وقد حملت الكثير من طين مصر وترابها ولهذا عاشت في وجدان المصريين مثل الأساطير القديمة ومواويل الفقراء علي ضفاف النهر الخالد..كانت اغنيات نجم وامام تسجيلا حيا لرحلة فقراء الوادي في كل عصور القهر والظلم والاستبداد لم تنتشر في الإذاعات والتليفزيونات ولكنها انتشرت علي افواه الملايين مثل اغاني الفلاحين والعمال والمهمشين من ابناء مصر..كانت نموذجا لأغاني التراحيل الذين حفروا قناة السويس وزرعوا النخيل علي شواطئ النيل.. كانت مواويل نجم وامام قصة كفاح طويلة بحثا عن الحرية والحلم والحياة الكريمة لم اعرف احمد فؤاد نجم عن قرب ولكنني كنت اراه من بعيد مثل شجرة التوت والجميز في ريف مصر التي يجتمع تحت ظلالها آلاف الأطفال الفقراء يأكلون ثمارها كل صباح.. كانت اغنيات نجم تمثل شيئا من تراث المهمشين في هذا الوطن ولأنه كان دائما ضد الاستبداد فقد عاش تجربة السجن في اكثر من عهد واكثر من رئيس.. رغم انه كان اشتراكي الهوي فقد سجن اكثر من مره وكان مطاردا في اكثر من وطن واكثر من مكان.. كانت عامية احمد فؤاد نجم غارقة في طين هذا الوطن بكل تألقه وتلقائيته وبساطته وكانت الحان الشيخ امام نسخة من شعر نجم ولا تستطيع ان تفرق بينهما ومن فيهما كتب الآخر..كانت الحان الشيخ امام اهازيج شعبية التقطها من الشارع وهو يغني لعيون بهية التي جسدها احمد فؤاد نجم لتصنع لوحة سيريالية متعددة الألوان وانت لا تعرف من فيهما بدأ اللحن ومن اكمله.. ان رحلة احمد فؤاد نجم تجربة ثرية لأعماق المجتمع المصري وسوف تبقي انشودة لكل المعذبين من ابناء هذا الوطن في كل زمان ومكان ومع رحيل نجم يختفي الشاعر ابن البلد المشاكس المكابر العنيد الذي عاش حياته كما احب وكتب اغانيه كما اراد
نقلاً عن "الأهرام"