توقيت القاهرة المحلي 09:28:49 آخر تحديث
  مصر اليوم -

شباب مصر ومأساة الانقسام

  مصر اليوم -

شباب مصر ومأساة الانقسام

فاروق جويدة

أقف حائرا أمام أجيال الشباب أرى قلبى معها إلى آخر مدى. وأشفق عليها من واقع بغيض استباح أحلامها وعبث كثيرا فى عقولها واستخدمها لتحقيق أغراض وطموحات أجيال أخرى لم تكن على مستوى الوفاء والمصداقية. أشفق كثيرا على هذه الحشود التى تترصد بعضها فى الشوارع وهى تحمل أفكارا مغلوطة وأحلاما فى التغيير هى أبسط حقوقها وأبعد ما تكون عن واقعها. كل أطراف اللعبة السياسية فى مصر استخدمت الشباب وقودا وكانت تفعل ذلك عن وعى وإدراك بل إنها تدرك خطورة ما فعلت. حين قامت ثورة يناير كان وقودها الشباب وكنت أراهم على شاشات التليفزيون وصهيلهم يهز أرجاء العالم وليس مصر وحدها. - كان مشهدا رائعا لا يمكن أن تنساه العين وكان ميلادًا جديدًا لشباب هذا الوطن بعيدا عن ميراث طويل حملته أجيال أخرى من التحايل والابتزاز وعدم المصداقية. كنا نرى فى شبابنا الواعد الذى خرج رافضا ما أصاب حياتنا من كل مظاهر التخلف عالما جديدا فسيحا اثبت قدرته على التحدى والإصرار على التغيير مهما يكن الثمن أعترف أننى كنت ومازلت احتفظ لنفسى على الأقل بصورة هذا المشهد أيام ثورة يناير وقد ترسخ فى ضميرى أنها لحظة صدق خالدة رغم كل ما تعرضت له من محاولات العبث والتشوية. أن الغريب فى الأمر أن لحظة يناير التى أخرجت منا أجمل ما فينا وهم مجموعة من الشباب الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه وماتوا فى سبيل هذا الوطن هؤلاء رحلوا وحملوا معهم سرا من أسرارنا العظيمة اسمه الصدق والحقيقة. كانوا أكثر صدقـًا وإداركا بحقيقة هذا الوطن وروحه الساحرة التى لا تموت أبدا. - بعد أن ظهر الكنز على وجه الأرض ورأينا الخبيئة بكل ما فيها من مظاهر الخلود والقيمة واندهش العالم كل العالم وهو يرى هذا المشهد المسكون يروح التحدى والاصرار والوفاء ظهرت حولنا أشباح غريبة حين خرجت الثعابين من جحورها وأحاطت بنا كائنات تتحدث لغة غير ما عرفنا وتطرح أفكارا غير ما اعتدنا عليه ورأينا حشودا غاضبة لم تدرك بعد قدسية الحياة وقيمة الدم ومسئولية الأوطان. تغيرت صورة شبابنا الواعد ورأينا وجوها أخرى تحمل نفس ملامح الأجيال القديمة التى ضللت وتحايلت وركعت ولم تترك طريقـًا للسقوط إلا وسلكته. لا أدرى كيف انتقلت الامراض بهذه السرعة إلى أجيال جديدة كنا نراها أكثر تجردا ونقاء ومصداقية. كانت جينات الترهل والفساد التى حملتها الأجيال القديمة أكثر قدرة من مقاومة الأجيال الجديدة التى أطلقت ثورة يناير. - سرعان ما انطلقت الأشباح فى الشوارع وبدأت الصورة حشودا وانتهت دمارا وخرابا ودماء. إن السؤال الغريب كيف نجحت النخبة المصرية وبسرعة شديدة أن تنقل لأجيال شابة كل ما فيها من مظاهر القصور والتردى. كان الانقسام أخطر هذه المظاهر وتحولت حشود الشباب إلى الغام متنقلة فى شوارع مصر. إن الشباب الذى توحد فى ثورة يناير هو نفس الشباب الذى حطم الجامعات وتقاتل فى الشوارع وفجر نفسه فى مؤسسات الدولة. ترى من قسم هذا الشباب تحت راية الدين حينا والوطنية أحيانا أليس هؤلاء القادة المخربون الذين استباحوا عقول هذا الجيل وغرسوا فيه هذا الكم من الكراهية. أليس هذا الإعلام الذى قسم أبناء الوطن الواحد وخرب عقولهم بالتناقضات والصراعات والخزعبلات والقيم الساقطة. أليس هذا الفكر المضلل الذى جعل من الدين أقدس مقدسات البشر وسيلة للتخريب والتدمير والإرهاب من قسم شباب مصر الرائع والذى توحد ضد نظام فاسد وواقع محبط ليعود به إلى صور الماضى البغيض بكل ما حملت من مظاهر التحايل والتضليل. - انقسم شباب ثورة يناير بعد أيام قليلة من سقوط النظام وبعد ان كان هناك علم واحد يرفعه الجميع لاحت إعلام أخرى كثيرة وكلها تعتقد أنها صاحبة الثورة وكانت رحلة الانقضاض التى جاءت بالإخوان المسلمين لكى تبدأ رحلة التهميش والاقصاء والمتاجرة بكل القوى السياسية. وبعد عام كامل من الافساد باسم الدين سقط جيل كامل من شباب مصر فى انقسامات وصلت إلى الدم والتدمير. من يتحمل أمام الله والوطن مسئولية تقسيم هذا الجيل ومن الذى دفعه إلى لعبة الصراعات والتصفيات والغنائم. خرج شباب مصر من مائدة الإخوان مهلهلا أمام معارك وهمية تسترت فى الدين والوطنية. استعاد الشباب قوته وتوحدت إرادته يوم 30 يونيو واستطاع أن يخلع تجربة الفساد من جذورها وبدلا من أن يسترد هذا الجيل وعيه وإحساسه بالمسئولية وجدناه يقع فريسة أخرى أمام صراعات وتقسيمات بين القوى السياسية التى أفسدت على مصر ثورتها. وبدلا من أن نجد أنفسنا أمام نخبة ضائعة فقدت طريقها وجدنا أجيالا جديدة حملت أمراض الماضى فصارت أكثر ضياعا. - إن الجميع الآن يلعب على منظومة الشباب ابتداء بمؤسسات الدولة وانتهاء بأصحاب الفكر أو من يسمون أنفسهم النخبة. حاول أن تراجع معى خريطة التقسيمات بين شباب مصر والجهات التى تعبث فيها والقوى التى تحركها. هناك شباب الاخوان المسلمين الذين ضيعتهم قيادات عابثة ومغامرة وحشدتهم فى الشوارع والميادين وبدأت رحلتهم بالحجارة وانتهت بالرصاص كيف تحول هذا الشباب من ساحة الدين بترفعه إلى حشود الإرهاب وتوابعه. - ماذا بقى لشباب الإخوان وقد خسروا كل شىء. لقد ضربوا جامعاتهم وهى الأحق بحمايتهم وتنكروا لأساتذتهم ومشايخهم. وسقطت من بين أيديهم الفكرة والمنهج والأسلوب، إن ما فعلوه ليس هو الإسلام الفكرة. وما دمروه ليس الدين المنهج. ولم يكن الإرهاب فى يوم من الأيام أسلوبًا للتغيير إلا أمام جماعات جامحة ومضلله. انقسم شباب الأخوان على نفسه فلا شىء يجمعهم الآن. القادة فى السجون والأفكار ترفضها الأرض ويدينها المجتمع. والحاضر مغلق تماما والمستقبل هو الضياع هذا فصيل مهم سقط فى مسيرة المجتمع نحو الغد وسوف نحتاج وقتا وجهدًا كى نعيده إلى الطريق الصحيح. انقسمت النخبة بشبابها ما بين الإنقاذ والاخوان والتيار الشعبى والأحزاب وكل فصيل يتصور أنه يحتكر الحقيقة وحده. حتى حركة تمرد لم تصمد طويلا وأصابتها أمراض النخبة المصرية وانقسمت أخيرا على نفسها وكانت تمثل حلم التوحد بين الشباب. إننا لا نريد الشباب حشودا تهتف هنا أو هناك ولكننا نريد شبابا يوحده الحلم والتغيير والوعى بمخاطر ومتطلبات المستقبل. إن شباب الإخوان الآن يعانون من عزلة قاتلة ولا أحد يعلم كيف نعيدهم مرة أخرى إلى صفوف المجتمع لأنهم جزء لا يتجزأ من تكوينه وثوابته. أن شباب الوطنية المصرية أحزابا ونخبة وفصائل سياسية يعانون الآن انقسامات حادة بينهم بل إنها وصلت إلى درجة الصدام. ومازال هؤلاء يبحثون عن صيغة للحوار والاختلاف ولم يجدوا من الأجيال القديمة من يعلمهم كيف تتصارع الأفكار والآراء والثوابت. إن الأغرب من ذلك كله أن نجد بين مؤسسات الدولة من يشجع هذه الانقسامات. فى مصر وزارة للشباب تتولى أمور الأجيال الجديدة الواعدة. وفى مصر وزارة للرياضة تهتم بشئون الرياضة والأندية والمسابقات وهى أيضًا مسئولة عن شباب مصر. وفى مصر مؤسسات تهتم بشباب هذا الوطن على المستوى الفكرى والثقافى ويكفى أن لدينا العشرات بل المئات من قصور الثقافة فى الأقاليم وعلى مستوى الجامعات هناك إدارات الشباب والأنشطة الثقافية والرياضية والتجمعات الشبابية. على جانب آخر فإن الأحزاب السياسية لديها أيضًا اهتمامات دائمة بالشباب. - وسط هذا كله تخرج علينا مؤسسة الرئاسة ببرامج للحوار مع القوى الشبابية سياسيا وفكريا وأنا لا أتصور أن يتم ذلك بعيدا عن المؤسسات السابقة لا أتصور غياب وزارة الشباب أو الرياضة وهى الجهات المسئولة التى تخصص لها الدولة ميزانيات وأموالا وأن تبقى بعيدة عن هذه الاجتماعات وهذه الحوارات. كيف يغيب وزير الشباب عن ذلك كله وكيف يستبعد وزير الرياضة من اجتماعات يعقدها مسئولون فى مؤسسة الرئاسة لمناقشة أحوال شباب هذا الوطن. إن هذا التضارب فى الاختصاصات وغياب أصحاب الشأن يؤدى إلى زيادة القطيعة بين الشباب أنفسهم. هناك أكثر من لقاء تم فى مؤسسة الرئاسة تحت رعاية أكثر من مسئول. وكانت مؤسسة الرئاسة نفسها منقسمة حول اختيارات هؤلاء الشباب بحيث رفض الكثيرون منهم المشاركة وانتقد البعض منهم عمليات الإقصاء والتهميش التى تعرضت لها جموع كثيرة من الشباب بل إن هناك خلافات فى المواقف والرؤى بين المسئولين عن هذه اللقاءات. كان الأولى أن تنبع هذه اللقاءات من الأجهزة المسئولة عن الشباب لأن هذا واجبها ومسئوليتها وأن ترعى مؤسسة الرئاسة هذه اللقاءات من بعيد بحيث تستفيد من كل جوانب الحوار اتفاقا واختلافا وتخطيطا لأفاق المستقبل. - الخلاصة عندى أن الجميع مارس العبث فى ساحات الشباب. لقد كانت النخبة الدينية والمدنية حريصة على استقطاب جموع الشباب وهم مستقبل هذا الوطن. وللأسف الشديد ان البعض عبث كثيرا فى هذه المنطقة بالتهميش حينا أو التحريض أحيانا أو الاقصاء فى معظم الأحيان. لقد فشلت النخبة المدنية فى أن تؤكد قيمة الحوار وخلاف الرأى. وفشلت النخبة الدينية فى أن تؤكد قيم التسامح والوعى ومحاربة جمود الفكر وضلال الرؤى وفشلت مؤسسات الدولة المسئولة عن الشباب فى أن توفر مناخا حرا قادرا على استيعاب الجميع رغم كل مظاهر الاختلاف فى المواقف. إن انقاذ هذا الجيل من شبابنا مسئولية الوطن كله وما حدث فى الجامعات وما يجرى الآن من صراعات النخبة التى استخدمت هذه الأجيال استخداما سيئا ومحاولات الطامعين فى الصعود على أشلاء هذا الجيل كل هذه المخاطر تحتاج شيئا من الضمير وشيئا من الأخلاق ونحن نسلم الراية لأجيال من حقها أن تعيش وتحلم فى هذا الوطن.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شباب مصر ومأساة الانقسام شباب مصر ومأساة الانقسام



GMT 09:03 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 09:02 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مسرح القيامة

GMT 09:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان... و«اليوم التالي»

GMT 09:00 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لماذا توثيق «الصحوة» ضرورة وليس ترَفاً!؟

GMT 08:59 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 08:57 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 08:55 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

«فيروز».. عيونُنا إليكِ ترحلُ كلَّ يوم

GMT 08:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ذكرى شهداء الروضة!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon