فاروق جويدة
هل تذكر آخر مرة شاهدت فيها القمر لا اعتقد انك رأيته والسحابة السوداء تخفى كل شىء فيه..قليلا ما يبدو القمر وسط السحابات الرمادية التى تغطى وجه السماء..هل تذكر آخر مرة شاهدت فيها وردة جميلة اهداها لك قلب يحبك..
من أين تأتى الزهور والزحام يطارد الطرق والناس يتسابقون الى المجهول ولا احد يعرف الى اين يمضى..هل تذكر آخر كلمة حب قلتها وشعرت انك صادق فيما قلت ام ان صخب الحياة وضجيج الناس حولك جعلك تنسى كل هذه الأشياء..هل تذكر كم كان النيل جميلا ورائعا وانت تراه يمضى شامخا فى كبرياء..حاول ان تسترجع تلك الأيام البعيدة التى كنت تجلس فيها على شاطئ النيل وانت تعانق احلامك البريئة..حاول ان تسترد شيئا من عبق هذا الزمان رغم انك لا تستطيع ان تستعيد ساعة منه..فى احيان كثيرة يجلس الإنسان مع نفسه يراجع حشودا من الذكريات الجميلة انها لا تشبه حشود هذه الأيام التى احرقت الشوارع ودمرت الأشياء..انها حشود من الزمن الجميل تقتحم ذاكرتك وتستعيد معها عمرا وجمالا ومشاعر.. إن افقر الناس حظا فى الحياة إنسان بلا ذكريات هناك من يجمع الأموال فى البنوك وهناك من اجاد المؤامرات وملأ صفحات حياته بالمكائد..وهناك من تحول قلبه الى خرائب تسكنها الكراهية وهناك ايضا من ملأ قلبه بالذكريات الجميلة..هنا احب..وهنا اخلص وهنا تألم وهنا ذاق لوعة العتاب.. إن هذا الإنسان الذى ملأ حياته بكل هذه الأشياء هو الأسعد حظا..انه يريد من المال ما يكفى.. ويريد من الناس القليل من الود..ويريد من العمر ان يكون صفحات مضيئة بالأمل والحب وحين يغلق كتاب حياته سوف يشعر انه لم يكن يوما مصدرا لإيذاء احد ولم ينافق من اجل غرض زائل ولم يشارك فى زفة او يدق الطبول لأحد..لقد ملأ صفحات حياته بالعطاء والصدق حين احب وحين فارق وحين تألم..ان الحياة مشوار نستطيع ان نغرس فيه نجوما مضيئة ونستطيع ايضا ان نجعل منه غابات موحشة..تستطيع ان تختار ما يجعلك سعيدا دون ان تكون سببا فى تعاسة الآخرين..اسعد الناس حظا إنسان لديه اكبر رصيد من الذكريات .
نقلاً عن "الأهرام"