فاروق جويدة
كان كبير العائلة فى ريف مصر هو العمدة والمأمور والحكمدار ووزارة الداخلية..وفى جرائم القتل والسرقات الكبرى كان مأمور المركز يذهب الى كبير العائلة او شيخ القبيلة ليجمع الناس ويتم الصلح وتصدق وزارة الداخلية على الجلسات العرفية التى كانت تعتبر من مسئوليتها ودورها فى حياة المصريين
..كم من جرائم القتل التى جرت فى ربوع مصر وتم الصلح فيها عرفيا حيث تذبح الأغنام وتدفع الدية وتتصالح جميع الأطراف..ومنذ سقطت هيبة كبير العائلة امام شطط الصغار واختفى شيخ القبيلة امام ظروف الحياة وضغوط المعيشة وانقلاب الهرم الاجتماعى اصبحت الأصفار ارقاما والأرقام اصفارا وغزت الحشائش حدائق مصر واجتاحت نخيلها واختفت كل هذه الظواهر الاجتماعية الراقية التى كانت تعكس دائما احترام الجيرة وتقدير العلاقات الإنسانية بين الناس..وحين سقط عشرات القتلى فى اسوان فى معركة قبلية غريبة احتارت اجهزة الحكومة فى مواجهة الموقف امام العنف والفتنة وذهب فضيلة الإمام الأكبر د. احمد الطيب شيخ الجامع الأزهر وجمع القبائل المتصارعة بلا اسباب واستطاع ان يجمع الشمل مرة اخرى وجلس كبار قبيلة الهلالية و الدابودية معا وتم الإتفاق على تفاصيل كثيرة حول التعويضات والدية وحقوق الدم وعادت صورة الصعيد القديمة تطل مرة اخرى فى السماحة والمودة وحسم المواقف من خلال كبار العائلات .. إن هذه التقاليد العريقة فى الأسرة المصرية ليست بدعا كان كبير العائلة هو وزير الداخلية وصاحب السلطة وتسرى كلمته على الجميع .. وكان شيخ الغفر فى القرية يدير شئون الأمن وكأنه مأمور المركز وكان إمام المسجد يجمع الناس حوله بالحب والتقدير والتسامح ولم يكن هناك قبطى ولا مسلم لأننا جميعا مصريون ولم يكن هناك مصرى مؤمن ومصرى آخر كافر..لم نعرف كل هذه الفتن التى اطاحت بأجمل الأشياء فينا وهى احترام الكبير وتقدير الصغير والعفو عند المقدرة والتسامح بين الناس..إذا كان البعض يرى ان العائلة والقبيلة من مظاهر زمن قديم مضى فهى لم تكن مظاهر تخلف ولكنها كثيرا ما اكدت اصالة هذا الشعب وجذوره العريقة كبير العائلة ليس فقط سنا ولا تاريخا ولكنه دور اجتماعى واخلاقى فى هذا المجتمع .
"الأهرام"