ما نشاهده من انجازات فى سنوات حكم الرئيس عبد الفتاح السيسى لا ينكرها إلا جاحد وفى كل المجالات تستطيع ان ترصد أعمالا ضخمة فى وطن استسلم سنوات للإهمال والعجز حتى وصلت الأحوال إلى ما كنا نرى من جوانب التخلف والقصور.. إن هذه الانجازات لا تحرمنا من أن نحلم بهذا الوطن الذى تمنينا أن نراه منذ سنوات وسوف يبقى الحلم مادمنا على قيد الحياة.. ومع بداية عام جديد أجد نفسى أجدد هذه الأحلام رغم أنها فى عهود سابقة خذلتنا وبقيت معلقة على جدران الزمن تنتظر ما لا يجئ..
> مازال حلم الانفتاح السياسى يطاردنا فى تجربة حزبية حقيقية تليق بمصر الشعب والتاريخ.. لقد سقطت قضايا الحريات فى أزمنة مضت هناك من لم يؤمن بها كما ينبغى وهناك من لم يف بما وعد وظلت فى وجدان وعقل المصريين حلما رغم كل ما واجهنا من التحديات.
إن البعض يرى أن فترات التحولات الكبرى فى حياة الشعوب تتعارض أحيانا مع أحلامها فى الحرية ولا اعتقد أن الحرية يمكن أن تتعارض أبدا مع التقدم والبناء والرغبة فى الإصلاح.. مهما حققت الشعوب من الانجازات يبقى حلم الحرية، أعظم انجازاتها واكبر تحدياتها واغلى امانيها..
> إن الأزمة الحقيقية أن المسافة كانت بعيدة جدا بين سلطة القرار ودعوات الحريات وهذا خطأ تاريخى يحتاج علاجا مزدوجا من الشعب وسلطة القرار، إن انسحاب النخبة من الشارع السياسى على فترات تحول إلى حالة من حالات إدمان السلبية حتى انزوت النخب عبر عصور مختلفة وفضلت الانسحاب وربما ارتاحت سلطة القرار لهذا الانسحاب وإن تحول مع الوقت إلى واقع حقيقى بين سلطة لا تريد وشعب لا يقدر..
> إن مصر الآن مهيأة لأن تبدأ تجربة ومسارا جديدا مع قضايا الحريات وهذا يتطلب لغة جديدة للحوار نسمع فيها بعضنا حول جميع القضايا بحيث تتحول إلى حراك سياسى وفكرى وثقافى.. إن الصمت لا يترك غير الوحشة والحياة فى كل جوانبها تفقد أهم مقوماتها بلا حوار، ومن هنا فإن حالة الصمت التى يعيشها المصريون فى مناقشة قضاياهم رفضا أو قبولا تهدد مستقبل الأجيال القادمة التى تعيش زمانا أخر وترى حولها كل يوم شواهد عالم وشعوب تتغير..
> إن مصر الآن فى حاجة إلى تجربة حزبية حقيقية ولا بد أن نعترف بأن ما عاشته مصر فى الماضى من تجارب كان عبئا على الواقع السياسى المصرى وأن الأحزاب الكرتونية التى أقامتها حكومات سابقة تشبه أصنام العجوة التى كان يأكلها عتاة الجاهلية الأولى بعد أن يطوفوا حولها ولا يستطيع أحد أن ينكر أن هذه الأحزاب قد أضرت كثيرا بالواقع السياسى المصرى باستثناء تجربة حزب الوفد وهى لا تحسب على زمن قريب أو حزب التجمع وكان تجمعا فكريا لقوى اليسار وبقى محاصرا فى الشارع المصرى سنوات طويلة أما ما عدا ذلك فهى أحزاب من ورق سرعان ما تناثرت أمام زوابع السياسة وغياب الحريات وعجز الشارع المصرى فى أن ينتزع حقه فى الحرية نحن الآن نعيش مصر الجديدة هناك حكومة مهما اختلفنا معها فى الوسائل والأساليب إلا أن الانجازات لها شواهدها.. وهناك قوى اجتماعية ربما تعارضت مصالحها وتحتاج إلى من يقوم دائما مسارها بالحرية، والعدالة وهناك فئة من المثقفين وأصحاب الفكر انسحبت لأسباب لا يعرفها أحد وأن كانت هى الخاسرة وليس أحدا غيرها..
> إن الغريب فى الأمر أن يحاول الماضى بحشوده أن يقفز على وطن يتجه إلى الأمام ويسعى للتقدم والبناء ولو كان الماضى صالحا لما اغرق الوطن فى المشاكل والأزمات، ولو انه أضاف للوطن شيئا لجربناه ولكننا أمام تجارب فاشلة وأسماء ارتبطت طوال تاريخها بهزائم وانكسارات ومن واجبها أن تأخذ مكانا بعيدا وتنسحب لأن أوراقها لا تصلح الآن لبناء وطن جديد.. إن من حق شباب مصر وهم الآن يمثلون الأغلبية من أبناء الشعب أن تكون لهم أفكارهم ومواقفهم وحياتهم حتى لو تعارضت تماما مع أجيال لم تترك لهم غير آلاف من الفرص الضائعة..لا يمكن أن يقوم بناء تجربة سياسية جديدة فى مصر على أطلال تجارب سابقة أقل ما يقال عنها إنها فشلت ولم تحقق فى يوم من الأيام حلم المصريين فى حرية حقيقية..
> رغم التعارض الشديد بين القوى الاجتماعية فى مصر فأن الواقع يفرض على الجميع ضرورة إعادة الحسابات.. إن أغنياء مصر عليهم مسئوليات لابد أن يقوموا بها وابسطها سداد مستحقات الدولة وهى فرض عين وقد أكد الرئيس عبد الفتاح السيسى ذلك وهو يتحدث فى الإسكندرية عن الاعتداءات الصارخة على أصول الدولة وان واجب المواطنين والحكومة وبقية المؤسسات أن يعيدوا للشعب حقوقه المسلوبة لأن اغتصاب المال العام جريمة لا تسقط بالتقادم.. إن الواقع الطبقى فى مصر الآن يحتاج إلى مراجعات لأن الفوارق الاجتماعية أصبحت عبئا على كل الأطراف الأغنياء والفقراء ومؤسسات الدولة.. نحن أمام ملايين من البشر لها احتياجاتها ومطالبها فى توفير حياة كريمة والدولة تسعى لذلك فى حدود ما هو متاح لها من الموارد ولكن حين يشترى مواطن فيلا فى العلمين بمائة مليون جنيه لا بد أن نسأله هل دفع ما عليه للدولة من مستحقات وماذا قدم للملايين الذين تسعى الحكومة لتوفير مسكن آ لهم..
> أصبحت أخاف من عمليات الفرز الاجتماعي بين شبابنا وقد تحولوا إلى فئات، فهناك فئات تتمتع بوضع خاص فى مؤسسات الدولة ما بين المناصب والمكاسب والامتيازات ولا احد يعلم على أى أساس سيتم ذلك وبأى منطق هل هى الكفاءة والقدرات أم الأصل والنسب أم الطبقة الجديدة التى تفرض شروطها على المستقبل كما فرضته على الماضى والحاضر.. هناك ظواهر لابد أن نتوقف عندها ما بين الهجرة للخارج ونزلاء المقاهى والهاربين إلى المخدرات وملايين الشباب الذين ينتظرون فرصة فى أى موقع من المواقع.. إن أرقام البطالة تتراجع والحكومة تعلن كل يوم عن أعمال جديدة للشباب ولكن أين هذه الأعمال ومن الذى يذهب إليها أنا لا أتصور أن يذهب شاب خريج اقتصاد وعلوم سياسية بأعلى التقديرات ليكون عامل سيراميك فى منشآت الحكومة بينما زميله الذى قضى فى الكلية سنوات تحمله الطائرة دبلوماسيا فى إحدى سفارات مصر فى الخارج وبعد ذلك نقول ليس لدى الحكومة تعيينات.. إن هذا الخلل الذى يدمر العلاقات بين أبناء الوطن الواحد سوف تترتب عليه نتائج كثيرة ما بين هجرة أفضل العناصر أو إصابتها بحالة من الإحباط خاصة أن هناك أبواب سرية تفتحها مؤسسات الدولة فى وظائف ومناصب لأبناء المحظوظين فى سلطة القرار..
> مازلت اعتقد أن الحكومة فى حاجة إلى مزيد من التواصل مع المواطنين لأن الحوار فى كل الحالات ضرورة وأن واجب الحكومة أن تسمع لأنها فقط تريد أن تتكلم، هناك مشروعات تحتاج إلى الحوار وهناك قضايا لا ينبغى أن تكون من حق طرف واحد.. إن قضية الديون واحدة من اخطر القضايا ويجب أن تكون واضحة أمام الرأى العام وقضية الأسعار ويجب أن تؤكد الحكومة أنها لن تتمادى فى فرض أعباء جديدة، لأن الشعب تحمل فيها فوق ما يحتمل وجاء الوقت لكى تهدأ عدادات الكهرباء والمياه والمواصلات والسلع فى الأسواق والضرائب.. من حق المواطن الذى ضحى كثيرا فى عام مضى أن يستريح قليلا من الأعباء وان تضمن مؤسسات الدولة أن تصل ثمرات ما تم من الانجازات إلى الطبقات الفقيرة خاصة فى مجالات السلع والخضراوات والخدمات التى أرهقت الأسرة المصرية ابتداء بمصاريف المدارس وانتهاء بأسعار المستشفيات.. وهذا ما طالب به الرئيس عبد الفتاح السيسى الحكومة أن تضع خطة لمراعاة ظروف الطبقات الفقيرة فى العام الجديد..
> سوف تظل مصر تحلم بواقع سياسى أكثر انفتاحا.. وسوف تظل تحلم بأحزاب سياسة حقيقية تخرج من الشارع المصرى بلا وصاية من احد وتكون تعبيرا عن هذا الشعب بكل أطيافه الفكرية والاجتماعية والسياسية..
> إن أبواب الحوار لابد أن تبدأ من الإعلام بكل وسائله وقد شهد الإعلام المصرى مرحلة خطيرة وحالة انفلات غير مسبوقة رغم أن الوطن فى حاجة إلى هذا الدور أمام متغيرات ضخمة تشهدها مصر على كل المستويات.. إن الإعلام هو الذى سيمهد الأرض لظهور أحزاب جديدة وهو الذى سيعيد النخبة إلى مسارها الطبيعي فى خدمة قضايا الوطن بعيدا عن السلبية التى ضيعت على مصر فرصا كثيرة.. وقبل هذا كله فإن المسئولين مطالبون بفتح أبواب مكاتبهم أمام الناس، فالقضية اكبر من أن يجلس المسئول خلف جدران مكتبه ويتصور أن هذه هى كل مسئولياته.
ويبقى الشعر
وقلنـَا كثيرًا
وكانَ المسَاء حزينـًا حزينـًا
وَطافتْ عَلى الصَّمْت كلُّ الحكايَا
سنونٌ تخفـَّتْ وَرَاءَ السَّنينِ
وَمَازالَ قلبىَ طفـَلا ً بريئـًا
يُحدِّقُ فيكِ..وَيَحْبُو إليْك
كأنـّى عَلى الأمْس ماتتْ خـُطايَا
تغيَّرتِ الأرْضُ فى كلِّ شىْءٍ
وَمَا زلت أنـْتِ
نقوشـًا على العُمْرِ
وشْمًا على القلـْبِ
ضوءًا على العيْن
مَازلتِ أنتِ بَكارة َعُمْرى..شـَذا منْ صبَايَا
رأينـَا الليَالى علـَى رَاحَتينـَا
رمادًا منَ الشـَّوْق طيْفـًا بَعيدا
يثورُ وَيَهْدَأ..بَيْنَ الحنايَا
فعطرُكِ هذا الذى كانَ يَأتِى..وَيَسْرقُ نوْمى
وشعرُك هَذا الذى كان يَهْفو..ويسْفكُ دَمِّى
وَصَوتـُكِ هذا الذى كانَ يَخـْبُو..فأشـْقى بهمِّى
وقلنا كثيرًا..
وأحْسَسْتُ أن الزَّمَانَ الذى ضَاعَ منـَّا
تـَجَمّع فِى العَيْن حَبَّاتِ دَمْع ٍ..
وأصْبَحَ نهْرًا منَ الحزْن يجْرى
يسُدُّ الطريقْ..
وأنَّ الدُّمُوعَ التى فى المآقِى
غدتْ فى عُيُونكِ أطيافَ ضوْءٍ
وصارتْ بقلبى.. بقايَا حَريقْ
أكادُ أعانقُ عَيْنيكِ شوْقـًا.. وأنتِ أمَامى
وبيْنى وَبيَنك دَرْبٌ طويلٌ
وخلفَ المسَافاتِ.. جرْحٌ عميقْ
وأحْسَسْتُ أنى لأول يَوْم ٍ رجعْتُ..
أردِّدُ بَعْض الحُروف
وَعَادَ لسَانىَ يَحْبُو قليلا.. وينطقُ شيئـًا
فمنذ ُ سنينَ.. نسيتُ الكلامْ
وقلنـَا كثيرًا..
وأحْسَسْتُ أنك حينَ ذهَبْتِ
أخْذتِ من العُمْر كلَّ البريقْ
فلمْ يبقَ فى العُمْر غيْرُ الصَّدَأ
وأنَّ دَمِى تاهَ بَيْنَ العُروق..
وخاصَمَ نـَبْضِى..
ومَاذا سَيْفـْعَلُ نبضُ غريقْ ؟
وأحسسْتُ أنكِ يوْم ارتحَلتِ
أخذت مَفاتيح قلـْبى
فمَا عَادَ يهْفو لطيفٍ سواكِ
ومًا عادً يسمعٌ إلا ندَاك
وأنـَّك حينَ ارتـَحَلـْت
سَرَقـْت تعاويذ عُمْرى
فصَارَ مُبَاحًا.. وَصَارَ مشاعًا
وأنىَ بعدَك بعتُ الليَالى
وفى كلِّ يَوْم ٍ يدورُ المزادْ
أبيعُ الحنينَ.. أبيعُ السنينَ
وأرجعُ وحْدى.. وبعضى رمادْ
وأنى أصْبحتُ طفـْلا صغيرًا
تشرَّد عُمْرًا
وَصارَ لقيطـًا على كلِّ بَيْتٍ
وَصارَ مشاعًا على كلِّ صَدْر
وَصارَ خطيئة عُمْر جَبَانْ
وأحْسستُ أنـِّى تعلمْتُ بَعْدكِ
زيفَ الحديثِ.. وزيْفَ المشَاعرْ
تساوَتْ على العيْن كلُّ الوُجُوه
وكلُّ العُيُون.. وكلُّ الضفائرْ
تسَاوَى على العين لونُ الوفاءِ..
وزيفُ النقاءِ..
ودمُّ الضحايَا.. ودمُّ السَّجائرْ
تساوتْ على القلبِ كل الحكايَا
وقلنا كثيرًا
وعدتُ أفتشُ فى مُقلتيْكِ
وألقِى رحَالى على شاطئيك
وأبحرتُ.. أبحرْتُ فى مقلتيك
لعلى أرَى خلف هَذى الشواطِىء
وَجْهى القديمَ الذى ضاعَ منـِّى..
وفتشتُ عنـْهُ السنينَ الطوالْ
لقدْ ضاعَ منى منذ ارتحَلتِ
رأيتكِ وَجْهى الذى ضاعَ يومًا
بنفس الملامح.. نفس البراءِة
نفـْس البكارة ِ.. نفس ِالسؤالْ
وقلنا كثيرًا.. وعنـْدَ الصَّبَاح
رأيتـُكِ فى الضوْءِ ذرَّات شوق ٍ
أبتْ أنْ تضيعْ
لمحتكِ فى الصبح أيام طهر ٍ
تراجَعَ فيها نداء الخطايَا..
وزهرة ُعمر أبتْ أن تزفَّ لغيْر الرَّبيعْ
فمَا زلتِ أنتِ الزمانَ الجميلْ
وكانَ الودَاعُ هو المستحيلْ
فيا شهْرَزادُ التى فارقـْـتنى
وألقتْ على الصُّبح بَعْض الرَّمادْ
ترى هل قنعْتِ بطيفِ الحكايَا؟
ترَى هلْ سَئمتِ الحديثَ المعَادْ؟
وقلنا كثيرًا..وعندَ الصَّبَاح
رجعتُ وَحيدا ألملمُ بعْضى
وأجمعُ وجْهًا تناثر منـِّى
وفوقَ المقاعِدِ تجْرى دمَايَا
وعدْتُ أسائلُ عنكِ المقاهِى
وأسألُ رُواد هذا المكانْ
فَيصفْعُ وجْهِى حُزْنُ كَئِيبٌ..
وَلَمْ يَبْقَ فىِ الصَّمتِ إلا نِدَايَا
فَمَازَالَ عِطرُكِ فِى كُلَّ شَىْءٍ
ومَاَزَالَ وَجْهُكِ خَلفَ الجِداًرِ..
وبَيْن المَقَاعِدِ..فَوقَ الَمرَايَا
تُرَى كَانَ حُلْمًا ؟
عَلَى كُلَّ رُكْنٍ تًئِنًّ الَبقَايَا
فَمَا كُنْتِ أنْتِ سِوَى شَهرَزادْ
ومَاَ كَاَن عُمْرىَ.. غير الحكَايَا
قصيدة ما بعد الليلة الأخيرة سنة 1990
نقلا عن الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع