بقلم - فاروق جويدة
كانت باريس تستعد لاستقبال العام الجديد وهى تودع الأيام الأخيرة من عام يرحل .. كان شارع الشانزليزيه يعرض الهدايا مثل كل عام وملايين السياح يتدفقون على العاصمة العتيقة ولكن تغيرت الصورة تماما بعد أن خرجت حشود السترات الصفراء وانطلقت فى شوارع باريس فى مواجهة هى الأخطر منذ حركة الطلاب فى عام ١٩٦٨ رغم أن الفارق كبير جدا بين رموز اليوم ورموز الأمس فى فرنسا التى كان يحكمها الجنرال شارل ديجول بكل تاريخه..
ما تشهده فرنسا الآن ليس مجرد حركة شبابية فقد دخلت طوائف كثيرة من قوى اليسار واليمين والطبقة المتوسطة والجميع يطالب بحقوق مشروعة فى حياة كريمة.. لم يتوقف الأمر عند زيادة أسعار الوقود وسائقى التاكسى ولكنه يطالب بزيادة الأجور والمرتبات ومراقبة الأسعار وتخفيض الضرائب عن الطبقات الفقيرة..
هناك من يتصور أن المواطن الفرنسى لا يعانى من الفقر وكل الحقائق تؤكد أن الفقر قضية عالمية ولم يعد قاصرا على دولة دون أخرى.. إن أخطر ما تواجهه فرنسا الآن أن القضية ليست مجموعة من الشباب فى مواجهة مع الحكومة ولكن هناك تيار شعبى جارف يطالب بالعدالة أمام حكومة قدمت كل شىء للأغنياء وحرمت بقية الشعب من كامل حقوقه .. لقد تراجعت الحكومة الفرنسية فى قراراتها الأخيرة فيما يخص سعر الوقود والضرائب ولكن أصحاب السترات الصفراء كانت لهم مطالب أكبر وأشمل وهنا وجدت الحكومة أن الأمور تزداد تعقيدا..
هناك مؤشرات كثيرة أن الشارع لن يهدأ بل ان الأخطر أن السترات الصفراء انتقلت إلى دول أخرى منها هولندا وبلجيكا بل ظهرت أخيرا فى شوارع لندن.. كانت حركة الطلبة فى عام ١٩٦٨ بداية عهد جديد فى فرنسا وظهرت تيارات سياسية غيرت الكثير فى حياة الفرنسيين فهل تحمل حركة السترات الصفراء ميلادا جديدا فى الشارع الفرنسى أم أنها ستكون مجرد حدث طارئ سرعان ما يختفى مع احتفالات أعياد الميلاد..
ما حدث فى فرنسا حتى الآن يؤكد أن القضية أكبر من مجرد مواجهات بين الشرطة ومجموعة من الشباب لأن الشارع الفرنسى كله يطالب بالتغيير ومن واقع تجاربه السابقة هو يستطيع.
نقلا عن الأهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع