من الأمانة والإنصاف ان نعطى المواطن المصرى عبد الفتاح السيسى حقه التاريخى حين قرر ان يواجه اصعب واخطر لحظة فى تاريخنا المعاصر..لا اعتقد ان الرجل فكر للحظة سابقة فى حياته ان الأيام قد اعدته لهذه المواجهة حين كان ضابطا صغيرا فى جيش مصر العظيم..لا احد منا يعرف ما مهدت له الأقدار والمسئوليات خاصة إذا جاءت على غير موعد..هل كان الرئيس السيسى يتصور نفسه فى كل هذه المعارك فى وقت واحد وهو يقود الملايين من المصريين فى مواجهات ثلاث الأولى مع الإرهاب والثانية مع الإخوان والثالثة مع مؤامرة دولية كانت مصر اهم واخطر أهدافها..
هل كان الرجل يعلم انه سيخوض حربا حقيقية بكل قوات الجيش فى سيناء ويسقط فيها مئات الشهداء من الجيش والشرطة وهل كان يتصور ان تشتعل المنطقة كلها بهذه الصورة الدامية وتصبح سيناء مركزا من اخطر مراكز الإرهاب فى الشرق الأوسط بينما يقف العالم كله متفرجا ومصر تخوض نيابة عنه هذه المأساة الرهيبة..هل كان الرئيس السيسى يتخيل ان يقفز الإخوان المسلمون على السلطة فى مصر اكبر دولة عربية ومعقل من معاقل الإسلام وصاحبة الدور الحضارى والفكرى والسياسى وان يجد 90 مليون مصرى وطنهم محاصرا فى كل شىء..هل كان الرئيس السيسى يتصور ان تشتعل نيران الموت والفتنة فى اكثر من عاصمة عربية ما بين بغداد ودمشق وليبيا واليمن وان تندفع مواكب الموت فى كل هذه البلاد بينما يهرب الملايين الى كل بقاع الدنيا..
كانت المؤامرة اكبر من كل الحسابات وسقط نصف العالم العربى فى هذه المحنة الكارثية فى فترات زمنية قصيرة جدا فى عمر الشعوب..كانت الحسابات كلها تتجه الى مصر بعد ان سطى الإخوان على السلطة وكانت كل المؤامرات تؤكد ان مصر ان عاجلا او آجلا سوف تسقط فى مأساة الحرب الأهلية وان مستنقعات الدم قادمة مثل كل العواصم الأخرى التى اقتحمتها جحافل الموت والحروب .
> ثلاث معارك رهيبة كانت تنتظر مصر الشعب والدولة واصحاب القرار..كانت هذه هى اللحظات الأولى فى تجربة عبد الفتاح السيسى مع السلطة حين وقف الشعب خلف جيشه وقرر التخلص من حكم الإخوان المسلمين بعد تجربة مريرة لمدة عام من الجهل والتخلف وضيق الأفق والارتجال..تولى الرئيس السيسى السلطة والشارع المصرى يعيش اسوأ لحظات الخوف والجزع وجلس الناس فى بيوتهم يتساءلون: ماذا جرى للمصريين.؟
كانت مهمة الجيش المصرى وقوات الشرطة الأولى ان يعود الأمن الى المواطن المصرى مرة اخرى، وفى وقت قصير نجحت الدولة فى ان تعيد الانضباط والأمن للشارع المصرى وكانت هذه اول الإنجازات فى دولة ما بعد الإخوان..
عاد للشارع المصرى الهدوء القديم وبدأت رحلة من الإنجازات التى لا يمكن ان نختلف عليها والتى ستوضع فى قائمة طويلة تمت خلال عامين من حكم الرئيس عبد الفتاح السيسى..كان الأمن اهم عنوان فى هذه القائمة ثم كانت عودة مؤسسات الدولة للعمل والإنتاج وهنا بدأت مشروعات الخدمات وآلاف الملايين التى تم بها تجديد شامل للكهرباء فى مصر وخلال عام واحد كانت الكهرباء تغطى كل احتياجات الشعب المصرى فى إنجاز غير مسبوق ثم كانت آلاف الشقق والعمارات لمحدودى الدخل وهذه ايضا تعتبر خطوة غير مسبوقة فى تاريخ الطبقات الفقيرة..ثم تنتقل قائمة الإنجازات الى مشروع قناة السويس وشرق التفريعة والعاصمة الجديدة وصحارة مياه سيناء والأنفاق الضخمة اليها وما يحدث فيها الآن من مشروعات جديدة للأسمنت والصناعات والسياحة..
ومن ابرز ما حدث فى هذه القائمة مشروعات الطرق والتى وصلت الى اكثر من خمسة آلاف كيلو متر مربع غيرت تماما خريطة الطرق فى مصر وربطت اجزاء كثيرة من المحافظات.. هناك ايضا مشروعات المدن الجديدة فى السويس والإسماعيلية والعلمين وبقية المحافظات ،ان مشروعات الخدمات التى تمت خلال عامين غيرت اشياء كثيرة فى حياة المصريين وفى مقدمتها عربات الطعام التى اشرفت عليها القوات المسلحة ووزارة التموين وقدمت وجبات غذائية للمواطنين بأسعار زهيدة فى خطة لمقاومة الغلاء وارتفاع الأسعار .
> لقد أخطأ الإعلام المصرى حين اهمل هذه الإنجازات ولم يقدمها للناس رغم ان هذا يدخل فى صميم اختصاصاته ومسئولياته..كانت المعركة ضد الإرهاب واحدة من أخطر المعارك التى خاضها الجيش المصرى مع قوات الشرطة..وكانت مشروعات التنمية فى سيناء بداية عصر جديد لهذا الجزء العزيز من الوطن وقد اهملناه كثيرا وكان تدمير الأنفاق والتى كانت بالمئات على حدودنا انجازا كبيرا وحربا حقيقية ضد تهريب المخدرات والبضائع والأسلحة والعمليات الإرهابية..
> فى عامين كان مؤتمر شرم الشيخ وكان مظاهرة اقتصادية بديعة ورائعة وكانت الاتفاقيات الاقتصادية والمالية التى وقعتها مصر مع عدد كبير من المستثمرين من مختلف الجنسيات تحمل بوادر عصر جديد ثم جاءت زيارات الرئيس السيسى لعشرات الدول لكى تؤكد ان مصر تفتح صفحات جديدة مع العالم فقد زار الرئيس انجلترا وفرنسا والمانيا وامريكا وإيطاليا والصين واليابان واندونيسيا ودول شرق آسيا واليونان وروسيا وزار عددا كبيرا من الدول العربية السعودية والكويت والإمارات والبحرين والسودان والأردن والجزائر كما زار عددا كبيرا من دول افريقيا ومن خلال هذه الرحلات عادت مياه كثيرة الى علاقات مصر بالعالم الخارجى تقوم على المصالح المشتركة والتعاون فى كل المجالات
> فى عامين ايضا بدأت مسيرة بناء عدد من المشروعات الضخمة كان اهمها المحطة النووية مع روسيا فى الضبعة ومشروعات الأسمدة فى دمياط وزراعة مليون ونصف فدان بداية من الفرافرة ومحطات لتحلية المياه بجانب مشروع مترو الأنفاق مع فرنسا كل هذه المشروعات تمت وبدأت فى اوقات قياسية..وكان الأخطر من ذلك كله هو تنويع مصادر السلاح للجيش المصرى وشهد ذلك اتفاقيات مع فرنسا وروسيا والصين والهند وامريكا لتوفير احدث وسائل التكنولوجيا المتقدمة لقواتنا المسلحة فى البحر والأرض والجو .
ان مراكز الابحاث تضع جيش مصر الآن فى مكانة متقدمة مع اهم واقوى جيوش العالم وهذا ايضا إنجاز غير مسبوق.
> هذه بعض الإنجازات التى تمت خلال عامين فقط ولنا ان نتصور رجلا ورث حملا ثقيلا من الأزمات والمشاكل التى خلفها نظامان فسدت فيهما اشياء كثيرة فى مؤسسات الدولة وفى البشر وفى هذا التراكم الرهيب من منظومة الفساد التى مازالت حتى الآن تقاوم كل محاولات البناء والإصلاح.. امام نظام شهد اكبر جريمة فى زواج باطل بين السلطة ورأس المال وإهمال للخدمات والمرافق وتقسيم للمجتمع على اسس طبقية بغيضة..وامام نظام قسم المجتمع الى وطن وجماعة وتصور ان الجماعة هى الوطن فأنحرف بالدولة كلها محاولا إلغاء كل مؤسساتها واستبدالها بجماعات من اصحاب الفكر المريض والمصالح الغامضة ثم كانت لعنة الإرهاب التى حولت جماعة دينية الى عصابة تحترف القتل والإرهاب..
وسط هذه الانقسامات التى مازالت مصر تعانى منها كانت هناك وقفات حاسمة مع بقايا هذه النظم..مازالت المواجهة مع الفساد بكل جذوره ورموزه وهى كثيرة جدا..ومازالت قضايا الإصلاح الدينى تمثل مكانة خاصة امام محاولات لتقديم خطاب دينى جديد اكثر استنارة ووعيا..ومازالت هناك معركة ضارية ضد الإرهاب المسلح الذى نواجهه فى سيناء وهو يمتد على اكثر من نصف العالم العربى فى ليبيا وسوريا واليمن والعراق بينما تظل تهديدات اخرى ليست بعيدة من تركيا وايران وهى تحمل افكارا وتخدم المصالح وتسعى الى تقسيم العالم العربى وهو يعيش اسوأ مراحل ضعفه وانكساره..وسط هذا كله تمضى مصر رغم كل هذه الظروف فهى تبنى وتقدم نموذجا رائعا فى الصمود والوعى والهمة..
امام الرئيس السيسى بعد عامين من الإنجازات لا خلاف عليها تقف بعض المسئوليات التى تتطلب مواقف حاسمة فى طريق البناء .
اولا : لابد من إيجاد صيغة ومنظومة متكاملة لبدء صفحة جديدة مع الشباب بعد حالة من الارتباك اصابت هذه العلاقة بسبب اطراف كثيرة حاولت دائما ان تبعد الدولة عن شبابها وبجانب هذا فإن الشباب الموجودين خلف الأسوار لابد ان نبحث حالاتهم كل على حدة خاصة ظاهرة السجن الاحتياطى ومساجين قضايا الرأى والحريات هناك طابور خامس فى مصر يستخدم ازمات الشباب مع الدولة وتحركه قوى الشر الداخلية والخارجية..
ثانيا : جاء الوقت لكى يصبح القانون هو سيد الساحة، ان للأمن ضروراته وقد قام بدور كبير فى عودة الاستقرار والطمأنينة للشارع المصرى ولكن يجب ان تعود للقانون هيبته ويظل الأمن الحارس الأمين على ذلك كله..
ثالثا : رغم كل الإجراءات التى اتخذتها الدولة فى العامين الماضيين إلا ان معاناة الطبقات الفقيرة مازالت تمثل عبئا كبيرا على المواطن الفقير فى الأسعار والبحث عن مسكن او وظيفة خاصة مع غياب مبدأ اساسى وهو المساواة وتكافؤ الفرص وقد وعد الرئيس السيسى بالقضاء على ظاهرة العشوائيات خلال عامين.
رابعا : هناك حلقة مفقودة بين النظام ورجال الأعمال وهى خسارة للطرفين لأن الدولة فى حاجة الى جهد كل ابنائها فما بالك إذا كانوا أثرياء الوطن والقوة الضاربة فيه، كما ان رجال الأعمال فى حاجة الى جسور اكبر من الثقة مع مؤسسات الدولة .
خامسا : لابد ان تضع الدولة قضايا الكسب غير المشروع مع رموز النظام السابق فى اولوياتها لأن إهمال هذه القضية او تهميشها يشعر المواطن بأن الدولة غير جادة فى استرداد اموال الشعب .
سادسا : مازال الرئيس السيسى فى حاجة الى مكاشفة الشعب فى كثير من القضايا التى تتسم بالغموض مثل الهيئات الاستشارية فى مؤسسة الرئاسة ودورها ومدى مشاركتها فى سلطة القرار بجانب مدى جدية الدولة فى قضايا الأسعار وتخفيف الأعباء عن الطبقات الفقيرة وتأكيد مبدأ المساواة فى فرص العمل والمسابقات والوظائف لأن هناك إحساسا عاما ان ابواب المحسوبية مازالت مفتوحة على مصراعيها..
كما ان قضية مياه النيل وسد النهضة مازالت تؤرق المواطن المصرى ومعها ايضا قضايا الحدود غربا وجنوبا وحول سيناء والإرهاب الذى يهدد العالم كله
سابعا : مازالت منظومة الفساد فى مؤسسات الدولة تلعب دورا كبيرا فى إفساد حياة الناس وهناك ميراث طويل من الفساد لم يحسم حتى الآن فى قضايا توزيع الأراضى وبيع اصول الدولة ومتأخرات الضرائب والصناديق السرية التابعة للوزارات .
ثامنا : مازالت قواعد اختيار المسئولين فى الدولة غامضة فى كل شىء فى مؤهلات الاختيار وأسبابه خاصة ان بعض النماذج التى ظهرت فى سلطة القرار كانت عبئا ثقيلا على تجربة وليدة تسعى للنجاح..
تاسعا : لابد من الاطمئنان الى سياسة القروض وان نتعامل معها بحذر شديد خاصة اننا أحيانا نجد أنفسنا أمام أرقام مخيفة منها تكلفة مشروعات الخدمات مثل الكهرباء والإسكان والطرق وقبل هذا القرض الروسى للمحطة النووية فى الضبعة
عاشرا : رغم كل ما تتعرض له مصر من الأزمات الداخلية فى الحرائق والطائرات والسياحة والفوضى أحيانا مازال الرئيس السيسى يتمتع برصيد شعبى كبير رغم انه يشبه الجراح الذى يخوض مغامرة قاسية وصعبة فى جسد منهك وظروف دولية غاية فى التآمر وتحالفات من قوى الشر تريد إجهاض التجربة ولكن مصر كلها تدرك اعباء المرحلة والضغوط التى نتعرض لها والرئيس السيسى يؤكد دائما انه فى حاجة الى دعم المصريين حتى تمضى السفينة فليس أمامنا غير ان ننجح بعون من الله وإرادة شعب قادرعلى البناء.
..ويبقى الشعر
لماذا أراكِ على كلِّ شىء بقايا .. بقايا ؟
إذا جاءنى الليلُ ألقاكِ طيفـًا ..
وينسابُ عطـُركِ بين الحنايا ؟
لماذا أراكِ على كلِّ وجهٍ
فأجرى إليكِ .. وتأبى خُطايا ؟
وكم كنتُ أهربُ كى لا أراكِ
فألقاكِ نبضـًا سرى فى دمايا
فكيف النجومُ هوت فى الترابِ
وكيف العبير غدا .. كالشظايا ؟
عيونك كانت لعمرى صلاة ً ..
فكيف الصلاةُ غدت .. كالخطايا ؟
لماذا أراكِ وملءُ عُيونى دموعُ الوداعْ ؟
لماذا أراكِ وقد صرتِ شيئـًا
بعيدًا .. بعيدًا .. توارى .. وضاعْ ؟
تطوفين فى العمر مثل الشعاعْ
أحسُّـك نبضًا
وألقاك دفئـًا
وأشعرُ بعدكِ .. أنى الضياعْ
إذا ما بكيتُ أراكِ ابتسامهْ
وإن ضاق دربى أراكِ السلامهْ
وإن لاح فى الأفق ِ ليلٌ طويلٌ
تضىء عيونـُكِ .. خلف الغمامهْ
لماذا أراكِ على كل شىءٍ
كأنكِ فى الأرض ِ كلُّ البشرْ
كأنك دربٌ بغير انتهاءٍ
وأنى خـُلـِقـْتُ لهذا السفرْ ..
إذا كنتُ أهرب منكِ .. إليكِ
فقولى بربكِ .. أين المفـْر ؟
قصيدة بقايا سنة 1983