فاروق جويدة
يخطئ من يتصور ان الزمن يمكن ان يرجع للوراء وان تعيد الشعوب تجاربها او تحاول ان تسترد ماضيها..إذا كان الإنسان قد نجح فى استنساخ أشياء كثيرة فهو لن يستطيع ابدا استنساخ الأيام.
ولهذا اتوقف كثيرا عند صيحات البعض الذين يتصورون عودة الماضى البعيد او القريب..لقد تغيرت الظروف والأيام والأحداث ومن الصعب الآن ان نستعيد امجاد 56 والسد العالى والإصلاح الزراعى، فى 56 كانت هناك قوى دولية تتصارع فى بداية عصر جديد واقام المصريون السد العالى حين توافرت القدرة والإرادة اما الإصلاح الزراعى فلم يبق لدى المصريين الآن ارض يمكن توزيعها فقد انتهى مزاد الأرض وفاز به من فاز وتكونت ثروات رهيبة على أطلال هذا الشعب..لقد ظهر جمال عبد الناصر فى وقت وظروف لا تقبل التكرار ولهذا ينبغى ان نعالج واقعنا وان ننظر الى احوالنا بواقعية وجدية..اما هؤلاء الحالمون بعودة نظام ما قبل ثورة يناير فهم ايضا واهمون لأن الشعب المصرى لن يقبل بعودة هذه الوجوه كما ان ما بقى من اصول هذا البلد قليل جدا ولا يكفى الشعب والحيتان ويكفى ما نهب رموز النظام البائد وعليهم ان ينسحبوا فى هدوء ولا يتصوروا ان ابواب النهب مازالت مفتوحة، ان عودة الماضى قضية مستحيلة..ولا يعقل ان يتصور البعض انهم قادرون على استرجاع ساعات الزمن لأن هذا نوع من الإفلاس ان نسترجع صورة رموز رحلت او مكاسب ومصالح انتهى زمانها.. علينا ان نفكر فقط فى اشياء بين ايدينا وان نعيش حاضرنا وان نعيد البناء على اسس جديدة لأن البناء على الأطلال فيه مخاطر كثيرة .. اننى اقدر ذاكرة هذا الوطن وكثير منا مازال يعيش فى جلباب ابيه ولكن الأب رحل والجلباب قديم وهو لم يعد صالحا.. استنساخ الزمن قضية خاسرة ومصر تحتاج الى شبابها الواعد لكى يصنع المستقبل .. اعرف اننا شعب يحب تراثه وتاريخه ويفخر بموتاه، ولكن الرهان على الأحياء افضل .. آثار مصر جزء عزيز من تاريخها يشاهده السياح ولكن لا ينبغى ان يحكمنا سكان المقابر.
"الأهرام"