بقلم فاروق جويدة
فى زمان مضى كان يقال إذا أردت ان تعرف شعبا فابحث فى قضاياه، والقضايا هنا تعنى اهتماماته وثقافته وفكره..وكانت هذه الأشياء تظهر فى كتاب أو صحيفة أو رأى كاتب أو مفكر وإذا حاولنا الآن ان نطبق هذه القاعدة على أحوالنا فى مصر فسوف نكتشف ان زماننا تضاءل كثيرا..فى أيام الاحتلال كانت قضايا الاستقلال الوطنى والهوية وتحرير الأرض والبشر وقضايا الحريات والديمقراطية والأحزاب الحقيقية..وكانت الفنون تعكس ذلك كله والفكر بكل رصيده ومعاركه ومدارسه..كان الكبار يختلفون فى الآراء والمواقف ولكن بنزاهة وعلم وترفع وكان الفنانون يبدعون كل على طريقته وأسلوبه وكانت صراعات السياسة ولكن بوعى وانتماء ووطنية .. وكانت سمعة الوطن وتاريخه وثوابته خطوط حمراء لا تجاوز فيها ولا تشويه.. وكان هناك ضمير عام يحكم سلوكيات المجتمع ابتداء بالخلافات فى الآراء والمواقف وانتهاء بما يقال فى وسائل الإعلام وكان الضمير العام يحكم كل شىء لأنه يتجرد من كل نوازع المصالح والغايات..كانت المعارك تدور على صفحات الجرائد ولكنها معارك أفكار وليست صراعا على صفقة او لحساب رجل أعمال او أبواقا للسلطة.. وكان للترفع فى السلوك والأخلاق فرسان يعرفهم الناس وكان للأقزام والمشوهين فكريا وسلوكيا أماكن تشبه بيوت السوء التى يرتادها المشوهون من البشر..كانت الحياة بهذا الوضوح فى كل شىء ولم تكن الأقنعة قادرة على إخفاء الحقائق.. والآن حاول أن تتابع مواكب الأشياء حولك سوف تكتشف إننا نعيش زمانا غريبا فلا فرق بين احتلال الأوطان وسيادتها..ولا فرق بين الهاربين من النيران فى أوطانهم والهاربين بثروات شعوبهم والكل مهاجر .. ولا فرق بين امة اهتزت لها أركان الكون وأمة مهزومة ممزقة ضائعة.. ولا فرق بين حكام دخلوا مذابل التاريخ وحكام كانوا تاجا للعدل والكرامة.. لا فرق بين فرق النفاق وفرق الحق بين من أضاءوا العقول ومن افسدوا الناس بالباطل.. بين وجوه تراها وتشعر بحالة من الغثيان ووجوه تمنيت لو انك صافحتها ذات يوم .. لقد اختلت موازين الأشياء والبشر والأخلاق فى عالم فقد كل القيم النبيلة وأصبح وكرا واسعا للأفاقين والمحتالين وتجار الفرص ..