فاروق جويدة
فصل الشتاء من أحب الفصول إلى قلبى..والفصول مثل المدن..مثل النساء..كل امرأة مدينة مستقلة.. وكل مدينة امرأة بلا حدود..والفصول تحمل نفس صفات المرأة ونفس صفات المدن..
هناك مدن تحبها لأسباب لا تعرفها.. انها مزدحمة ومكدسة ويغطيها الغبار والأتربة ولكنك تجد فيها ركنا صغيرا يمنحك الأمان فتأوى إليه..وهناك امرأة صاخبة لا تهدأ على حال انها فى حالة ثورة دائمة ولا تعرف أسباب ثورتها .. إنها تغضب لاتفه الأشياء وتهدأ أيضا بلا سبب، وهذه المرأة تجد فيها شيئا تستريح اليه انها تمنحك احساسا لا تجده عند سواها .. انها بركان من الغضب يمكن أن تجد على ركن بعيد فيه شيئا من الدفء .. والفصول أيضا لها صفات مختلفة .. اننى أحب الشتاء لانه الفصل الوحيد فى العام الذى يقربنى كثيرا إلى نفسى .. أن حالة الانكماش التى يشعر بها الانسان فى فصل الشتاء تجعله يقترب كثيرا من ذاته وهنا يمكن ان يكون الحوار والتأمل واستعادة الثقة فى الأشياء .. فى فصل الشتاء نتحاور كثيرا مع انفسنا لأننا ننصهر فى بوتقة واحدة .. وفصل الشتاء أكثر فصول العام انسانية .
ان الدفء الذى نشعر به مع الشتاء يمنحنا احساسا بالتوحد مع انفسنا ورغم حبى الشديد للشتاء فأنا لا احتمل قسوة الجليد .. ان الجليد هو الشىء الوحيد الذى أرى فيه الموت بقدر ما يعجب الإنسان بالجليد شكلا ولونا وملمسا، إلا أنه يشبه الثعبان ناعم الملمس ولا تعرف متى يلدغك وكذلك الجليد قد تعيش معه بعض الوقت وتأنس اليه ولكن فى لحظة ما يسرق منك اغلى ما تملك وهى حياتك .. والشتاء شهر جميل للابداع كلما اقترب الانسان من ذاته كلما تفتحت امامه ابواب التأمل والتساؤل والدهشة، وهى المصادر الحقيقية للابداع الصادق..وفى الشتاء تغتسل الطبيعة من ادران الفصول الأخرى..أن المطر يطهرها والرياح تعيد لها الإحساس بالحياة فى مواجهة العواصف وفى الشتاء احن كثيرا إلى فيروز ورجعت الشتوية وإلى فريد الاطرش وادى الشتا يا طول لياليه..واتذكر وجوها غابت ومع الشتاء ينتفض الحنين.