فاروق جويدة
لا احد يستطيع ان يحكى لنا الليلة الأخيرة فى حياة عمر الشريف وماذا دار فى خياله وهو يطوى صفحات عمره ما بين أضواء السينما العالمية والأسفار والرحلات والأمجاد وها هو يرحل عن عالمنا فى غرفة صغيرة فى أحد المستشفيات فى حلوان..مسافة كبيرة جدا وسنوات من العمر رحلت ما بين أضواء هوليوود وليالى باريس وشقته الشهيرة التى عاش فيها سنوات فى أشهر وأغلى الشوارع فى مدينة الجن والملائكة كما كان يسميها عميد الأدب العربى د.طه حسين . بعد كل هذا الصخب وملايين الوجوه وآلاف الكاميرات والحسناوات من كل جنس ولون هاهو الفارس ينام فى غرفة صغيرة بلا أصدقاء وبلا أهل وبلا نجوم..هاهى الرحلة الطويلة تنتهى بالفارس فى مكان بعيد عن كل النجاحات التى عاشها والبشر الذين التفوا حوله .. انه لا يذكر الآن شيئا من ذلك كله لقد اغلق الكتاب وطوى صفحاته ولم يعد يذكر الأمجاد التى عاشها والأحلام التى وصل إليها انه الآن يواجه الموت وحده وكما نجىء الحياة وحدنا نمضى منها كما جئنا لا احد يصافحه وهو ينسحب فى هدوء ولا شىء يودعه فلا هو أمام بيت عاش فيه ربما تذكر جدرانه وصوره شيئا عن حياته..لقد رحل كل الأحباب من مات ومن سافر ومن اختفى فى ظروف غامضة وبقى وحيدا فى حجرة صغيرة..هناك أشخاص آخرون عبروا فى هذه الحجرة لا يعرف احد منهم والغرفة نفسها لا تذكر من عاشوا او ماتوا فيها ان الفنادق والمستشفيات ودور المسنين لا تذكر الوجوه التى مرت عليها يوما..من أصعب الأشياء ان تجد نفسك وحيدا من كل شىء حتى ذكرياتك التى عشتها والأماكن التى عرفتها لا شىء من هذا الآن لقد هربت الذكريات واختفت الأماكن وسافرت كل الوجوه..فى الحجرة الصغيرة ربما تحدث عمر الشريف مع نفسه فلا شىء غيرها حاول أن يسترجع بعض ذكرياته ولكن حتى الذاكرة خانته..أغمض عينيه فى هدوء ورحل وقد نسى كل شىء..وبقى عشاق فنه ومحبوه يذكرون كل شىء لأن الفن الجميل لا يموت