فاروق جويدة
حاول ان تراجع اجندة تليفوناتك لكى تكتشف كم عدد الأصدقاء الذين خسرتهم فى السنوات الثلاث الماضية .. هناك ارقام اختفت امام خلافات فى المواقف رغم ان اجمل ما فى الفكر الخلاف واعظم ما فيه الحوار ..
سوف تكتشف ان هناك اسماء كثيرة لم تتصل بك حتى فى المناسبات السعيدة لتقول لك كل سنة وانت طيب .. عبرت الأعياد ورأس السنة وعيد ميلادك ولم تسمع احدا منهم .. ان السبب فى ذلك اننا لم نتعلم لغة الإختلاف وان الأصدقاء يمكن ان يختلفوا طوال اليوم وتجمعهم مائدة العشاء .. فى العالم المتقدم توجد مقاهى للأدباء والمفكرين وكانت عندنا يوما حين كنا متقدمين ومتحضرين .. كانت هناك قهوة ريش التى جمعت كل رموز اليسار المصرى وكان توفيق الحكيم يقضى الصيف كاملا على احد المقاهى الشهيرة فى الأسكندرية .. وكانت جلسة نجيب محفوظ الشهيرة مع رفاق مشواره من الحرافيش كل هذه الأشياء اختفت من حياتنا لأننا نختلف بلا منهج ونتصارع بلا اسباب ونتلون حسب نشرة الأحوال السياسية التى غيرت النفوس وجعلت الشباب يحمل السلاح ويقتل بدلا من ان يحفظ قصيدة شعر او يقرأ كتابا فى التاريخ احزن كثيرا وانا اتصفح اجندة تليفوناتى لسبب آخر ان التليفون المحمول قد اسقطها عن عرشها القديم .. كنت احفظ مئات الأرقام لأصدقاء احبهم وسقطوا جميعا امام جبروت التكنولوجيا وصراعات السياسة وزحمة الأحداث.. لم اكن يوما اضع حسابا لخلافات المواقف والآراء وكنت اضع الصداقة فوق كل الإعتبارات مهما كانت خلافات الرأى ولكن هناك شئ خطير تغير فى حياة المصريين اننا نفكر بالسياسة ونتخاصم بالسياسة ونتصارع بالسياسة بل ان فينا الآن من يقتل جاره وربما صديقه من اجل السياسة .. صديقى الذى اقترب من الثمانين من عمره انفصل عن زوجته وام اولاده لأنها إخوانية وهو يرفض الإخوان .. الغريب ان بعض شيوخنا اجاز هذا الطلاق وربما وجدنا من يسقط نسب ابناءه ليس لخلاف فى الرأى ولكن لخلاف فى العقيدة لأن الأب مسلم والابن لا ينتمى للإسلام .
"الأهرام"