محمد سلماوي
أعجب كل العجب من النقاش الدائر الآن حول قيام رئيس الجمهورية بتأسيس حزب خاص به يخوض الانتخابات البرلمانية التى باتت الآن على الأبواب، وكأن الرئيس يجب أن يكون رئيساً ونائباً بالبرلمان، ورئيساً للوزراء أيضاً، باعتبار أن الأغلبية الحزبية داخل البرلمان وفق الدستور الجديد هى التى ستشكل الوزارة.
إن مثل هذا التفكير يتجاهل تماماً أن هناك ثورتين قامتا فى البلد لنفس هذ السبب الذى يطالب به دعاة تأسيس حزب رئاسى، وهو سيطرة الرئيس على السلطتين التنفيذية والتشريعية معاً، وهو ما عانينا منه عقوداً طويلة.
كما يتجاهل هؤلاء أن تجربة حزب السلطة فشلت فى الماضى، بل كانت من أهم أسباب تعطل التجربة الديمقراطية، حيث جعلت أحزابنا السياسية أحزاباً كرتونية لا قوام لها ولا جذور فى المجتمع، فالحزب الذى ينشأ فى السلطة، مثل حزب الوسط وحزب مصر والحزب الوطنى الديمقراطى، يصبح هو الأداة السياسية الفاعلة، وما عداه من أحزاب أو قوى سياسية لا حول لها ولا قوة، فهل نريد أن نعيد هذه التجربة؟
أنا أفهم أن يدعو البعض الرئيس إلى أن يقود تحالفاً سياسياً يخوض الانتخابات، كما اقترح الأستاذ محمد حسنين هيكل فى حديثه التليفزيونى الأخير، لكن الدعوة لإنشاء حزب للرئيس هى إجهاض لثورتى 25 يناير و30 يونيو معاً، وقد قامتا لكسر احتكار رئيس الجمهورية لأدوات العمل السياسى.
على أن المصيبة الكبرى فيما يدعو إليه البعض هى غياب الدستور تماماً عن فكر من يتحدثون بمثل هذا الحديث، وتلك ظاهرة خطيرة، فالدستور ينص صراحة فى المادة (140) منه على أنه «لا يجوز لرئيس الجمهورية أن يشغل أى منصب حزبى طوال مدة الرئاسة»، وكان ينبغى أن يكون هذا حاضراً فى ذهن من يدعون لتكوين حزب للرئيس، لكنى دهشت فى لقاء الرئيس الأخير بالكتّاب والمثقفين، أنه إزاء عدم تحمس الرئيس لفكرة تكوين حزب خاص به، أن سأله أحد الحضور: ما الذى يمنع من أن يكون للرئيس حزب؟ فقلت على الفور ودون أن أطلب الإذن بالكلام: الدستور يمنع.
يا سادة، الأحزاب لا تنشأ فى السلطة وإنما فى الشارع ومن بين الناس، والدستور الذى أقره الشعب بأغلبية غير مسبوقة يحظر ذلك بشكل واضح، فالتزموا بالدستور يا سيادنا وكفانا إهداراً لمواده.