بقلم : محمد سلماوى
أحزن كلما قمت بزيارة مقر منظمة تضامن الشعوب الإفريقية الآسيوية على نيل منيل الروضة بالقاهرة، فهذه المنظمة الشعبية تعتبر من أقدم المنظمات الدولية غير الحكومية فى العالم، حيث يعود تاريخها الى أكثر من 60 عاما، وقد عاصرت خلال تاريخها الممتد تغييرات سياسية واقتصادية واجتماعية كبيرة فى دول القارتين لكنها ظلت طوال تلك السنوات حصنا للدفاع عن استقلال شعوب دول العالم الثالث وتحررها من الاستعمار، وتضامنت مع جميع حركات التحرر، ووقفت فى مواجهة كل أشكال القهر والتمييز العنصرى لا سيما نظام التفرقة العنصرية فى جنوب أفريقيا، ونصرة الشعب الفلسطينى وقضيته العادلة، فهل نحن بحاجة إليها فى هذه المرحلة من تاريخنا؟ أم أننا بعد أن حققنا استقلالنا، وحققته الدول الإفريقية والآسيوية، لم نعد نحتاجها؟
إن الظروف التى نمر بها الآن وتطلعنا إلى إعادة التواصل الذى انقطع لسنوات مع دول إفريقيا وآسيا التى كنا نقودها فى المحافل الدولية، يجعلنا فى أشد الحاجة لمنظمة التضامن التى مازالت تتمتع بتقدير كبير فى كل من القارتين، فلماذا تراجع اهتمام الدولة بها ولم تعد هذه المنظمة تلقى الدعم الذى كانت تلقاه فى حقبتى الخمسينيات والستينيات؟
لقد تأسست منظمة تضامن الشعوب الإفريقية والآسيوية فى يناير 1958 وكانت إحدى ثمار المؤتمر الدولى الذى عقد فى ذلك العام لدول عدم الانحياز هنا فى القاهرة، واليوم تقوم المنظمة على عدد كبير من اللجان الوطنية فى أكثر من 90 دولة إفريقية وآسيوية، بالإضافة لارتباطها بلجان محلية أخرى فى كل من أوروبا وأمريكا اللاتينية، ورأسها على مدى تاريخها كل من عبد الرحمن الشرقاوى والدكتور مراد غالب وأحمد حمروش ثم الآن الدكتور حلمى الحديدي، وقد انبثق عنها اتحاد كتاب إفريقيا وآسيا الذى كان أول رئيس له هو الأديب يوسف السباعي، ولقد شاهدت بنفسى حرص دول إفريقيا وآسيا على المنظمة وعلى اتحاد كتابها بشكل أخجل كل من لمسه معي.
لقد كان آخر من رأس اتحاد كتاب إفريقيا وآسيا هو المفكر المصرى الكبير لطفى الخولي، لكن بعد رحيله عام 1999 وتراجع اهتمام الدولة بالاتحاد، وبالمنظمة التى انبثق عنها، وبكل من إفريقيا وآسيا، تجمد الاتحاد تماما ولم يعد له أى نشاط، وبعد مرور أكثر من عشر سنوات حضر الى مصر وفد من اتحاد الكتاب التقدميين بالهند برئاسة على جافيد يحاول استجلاء الموقف ومعرفة ماذا ألم بالاتحاد، وتوجه الوفد الى منظمة التضامن برسالة خطيرة وهي: إن لم تكن مصر مهتمة باتحاد كتاب إفريقيا وآسيا الذى كان مقره بالقاهرة، فإن الهند على استعداد لإعادة احيائه ونقل مقره الى نيودلهي. وفى لقاء جمعنا مع الوفد الهندى رفض الدكتور حلمى الحديدى رئيس المنظمة نقل الاتحاد من القاهرة، وطلب من الوفد الزائر التعاون معنا لإعادة هذا الاتحاد العريق الذى كان يضم كتاب إفريقيا وآسيا وكان له صوت مسموع وتأثير ملحوظ على الساحة الثقافية والسياسية فى القارتين.
وهكذا شرعت المنظمة فى الإعداد لمؤتمر عام يعقد فى القاهرة لاتحادات الكتاب فى الدول الإفريقية والآسيوية لإحياء اتحاد الكتاب الأفروآسيوى وانتخاب قيادة جديدة له، وشكلت لجنة كنت رئيسها قامت بالتحضير لهذا المؤتمر على مدى سنة كاملة وسط اضطرابات مرحلة ما بعد ثورة 25 يناير 2011، إلى أن تمكنا من عقد المؤتمر فى ديسمبر 2012 بحضور أكثر من 40 دولة إفريقية وآسيوية، وأردنا أن يكون تحت رعاية رئيس الجمهورية تأكيدا للإخوة المشاركين بأن مصر لم تتخل عن الاتحاد ولا عن تواصلها مع الشعوب الأفريقية والآسيوية، لكن الرئاسة وقتها كانت قد ذهبت الى الإخوان المسلمين فلم يستجيبوا لطلبنا، وبالرغم من كل تلك الظروف نجح المؤتمر وحقق الهدف منه، وقد شرفت بانتخابى أمينا عاما لاتحاد كتاب أفريقيا وآسيا الذى بدأ مرحلة جديدة من تاريخه بعد أكثر من عشر سنوات من التجميد، وقد وضعنا للاتحاد لائحة جديدة تساير التطورات التى حدثت خلال فترة تجميده وتم اقرارها فى المؤتمر العام.
لقد عقد اتحاد كتاب إفريقيا وآسيا بعد إعادة بعثه، مؤتمرات فى كل من فيتنام والأردن وباكستان وروسيا ومصر وهو يستعد لعقد مؤتمره القادم فى المغرب فى شهر نوفمبر المقبل، كما تم إعادة إصدار مجلة «لوتس» العريقة بثلاث لغات، العربية والانجليزية والفرنسية، تحت إلحاح من الدول الأعضاء والذين أمدنا بعضهم بنسخ من الأعداد السابقة كانوا يحتفظون بها طوال تلك السنوات.
وإذا كنت أسرد تلك الوقائع التى عايشتها بنفسى فذلك للتدليل على مدى اهتمام دول أفريقيا وآسيا بهذه المنظمة العريقة وباتحاد كتابها الذى شجع نشاطه الدكتور الحديدى رئيس المنظمة على إنشاء اتحاد نوعى آخر على غراره للإعلاميين الإفريقيين والآسيويين.
لقد مضت سنوات العزلة التى فرضتها علينا العقود الأربعة الأخيرة والتى انصرفت مصر خلالها عن إفريقيا وآسيا ودول العالم الثالث، واليوم عادت مصر تتطلع مرة أخرى الى التواصل مع دول القارتين الذين كانت تجمعنا بهم علاقات قوية من الصداقة والتعاون، وكانوا يضيفون الى قوتنا على الساحة الدولية زخما هائلا جعل من مصر قيادة حقيقية لدول العالم الثالث كلها، وها هى المنظمة قائمة بتاريخها الممتد، ورصيدها الهائل الذى وجدته مازال حيا فى الدول الإفريقية والآسيوية التى طفت بها طوال السنوات الست الأخيرة منذ إعادة إحياء الاتحاد، فهل هناك بوابة أفضل من منظمة التضامن للتواصل مع هذه الدول؟ إن ميزة المنظمة أنها أهلية وليست حكومية، والتواصل الحقيقى مع الدول لا يكون فقط على المستوى الحكومي، فالمستوى الشعبى هو الذى يدعم هذا التواصل ويعضده، أقول هذا ولا أزيد، فهل من مستجيب؟!
نقلاً عن الآهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع