بقلم : محمد سلماوى
فى رحلتى الصيفية الى باريس لاحقتنى عدة موضوعات خاصة بمصر، فرغم تطلعى الى التعرف على ما يشغل بال العالم من قضايا وأفكار إلا أنى وجدت أن بعض الأحداث المصرية فرضت نفسها على من قابلتهم من أدباء وصحفيين ورجال سياسة، مما جعلها محور الكثير من مقابلاتى، وكان أولها بالطبع مشاركتنا فى مسابقة كأس العالم أو المونديال والتى صارت فاتحة طبيعية لأى محادثة بحكم اهتمام الناس المتوقع بالمباريات، وبحكم أننى مصرى وتصادف أن كان فريقنا القومى يلعب فى ذلك الوقت، ومع ذلك فقد انزعجت حين قابلت الروائى الكبير جان مارى لوكليزيو الحائز على جائزة نوبل فى الأدب عام 2008 فوجدته يبادر بإبداء دهشته من أداء الفريق المصرى رغم مشاركة الهداف الشهير محمد صلاح الذى يعتبر الآن من أهم لاعبى الكرة فى العالم، وفى كل هذه المرات كنت أتبادل مع محدثى بعض الكلمات فى هذا الموضوع لأنتقل بسرعة للموضوع الذى كنت أريد أن أتحدث فيه.
أما الموضوع الآخر الذى فرض نفسه على والذى لم أكن أرغب فى تجنبه فكان ما يتم الإعداد له الآن من خطة لتسوية الصراع الفلسطينى الإسرائيلى والذى بدأ يتصاعد الاهتمام بها بعد الزيارة الأخيرة التى قام بها جاريد كوشنر صهر الرئيس دونالد ترامب ومساعده جيسون جرينبلات الى المنطقة، والتى تزامنت مع زيارتى لباريس، وهى التسوية التى تعرف باسم «صفقة القرن»، وقد تصور كل من قابلته أنه بحكم أننى مصرى فإننى بالضرورة على علم بتفاصيل تلك الصفقة التى يقال إنها تمثل الحل السحرى للأزمة التى فشلت كل محاولات تسويتها على مدى أكثر من 70 عاما، وقد لاحقنى السؤال عن طبيعة الصفقة حتى فى زيارة قمت بها لصديق يشغل منصبا قياديا فى الكيه دورسيه (وزارة الخارجية الفرنسية).
وقد كانت أول تسريبات وصلتنى عن تلك الخطة التى مازالت سرية حتى الآن تعود لعام 2012 أثناء حكم الإخوان لمصر، ففى ذلك الوقت قام الرئيس الفلسطينى محمود عباس بزيارة مفاجئة للقاهرة للقاء الرئيس محمد مرسى، وكنت على موعد للقائه فى نفس اليوم الذى قابل فيه مرسى، وأذكر أنه كان منزعجا جدا لما بلغه من ترتيبات خاصة بإقامة دولة فلسطينية فى غزة تسمح بترك أراضى الضفة الغربية لإسرائيل، وكان أطرافها هم النظام القائم فى مصر وقتها وحكومة حماس فى غزة وحكومة نيتانياهو فى إسرائيل، وذلك تحت رعاية مباشرة من الولايات المتحدة، وقد أخبرنى الرئيس الفلسطينى أن الخطة تقضى بأن تتنازل مصر عن مساحة من أرض سيناء ملاصقة للقطاع فى مقابل الحصول على مساحة مساوية من إسرائيل فى صحراء النقب، وقال لى إنه أبدى للرئيس المصرى السابق رفضه الكامل لمثل هذه الخطة، متصورا أن الرفض الفلسطينى الذى نقله رسميا لمحمد مرسى كفيل بإفشال الخطة، لكنه فوجىء بالرئيس المصرى يخبره بموافقة الطرف الفلسطينى الذى كانت تمثله حكومة حماس بعد أن وعدت بأن حكم الدولة سيكون لها، وقد صدمت وقتها من تلك المعلومات التى لم يكن قد سمع بها أحد حتى ذلك الحين، والتى اكتشفت أن وزارة الخارجية المصرية لم تكن على علم بها وأن الترتيبات كانت تجرى على المستوى الرئاسى وحده، فقد تحدثت إلى أحد كبار سفرائنا حول هذه الخطة، التى حال سقوط حكم الإخوان دون تنفيذها، فتشكك فى مدى صحتها وقرر أن يسأل عنها صديقنا المشترك وزير الخارجية المصرى آنذاك محمد كامل عمرو، فأكد له الوزير أن مثل هذا الموضوع لم يطرح على الإطلاق على وزارة الخارجية مما حدا بصديقى السفير إلى عدم تصديق الموضوع، إلى أن فوجيء العالم بالرئيس الفلسطينى نفسه يكشف النقاب عن تلك الخطة التى قبلها الرئيس المصرى، وعن أنه نقل الى الرئيس السابق الرفض الفلسطينى الرسمى لتلك الخطة السرية.
إلا أن هناك على ما يبدو عدة تعديلات تم إدخالها على الخطة المذكورة منذ ذلك الحين، والتى كان يتم الإعداد لها فى سرية بعيدا عن الوزارة المختصة، وهى وزارة الخارجية المصرية التى لم تعلم بها وقتها، كما لا تعلم بها الآن وزارة الخارجية الفرنسية، وهناك من المؤشرات ما يشير إلى أن وزارة الخارجية الأمريكية أيضا ليست على علم بها، وهو ما يفسر قيام صهر الرئيس الأمريكى ومساعده بتولى هذا الملف بعيدا عن الوزارة المختصة وهى وزارة الخارجية.
أما التعديلات المقصودة فتتعلق أساسا بأرض سيناء التى أعلم أن مصر رفضت بشكل قاطع مبادلتها بأرض أخرى، وهو ما دعا الى بحث إمكانية استخدام أراض أردنية لتنفيذ الخطة، بالإضافة لإقامة ميناء عالمى على غرار سنغافورة على البحر المتوسط للدولة الفلسطينية الجديدة، وأما التعديل الثانى فهو التركيز على الجانب الاقتصادى والتنموى فى تمرير الخطة بحيث تصبح الدولة المذكورة فى غزة بؤرة نشاط اقتصادى لم يعرفه القطاع من قبل، وفى ذلك فقد تم الحصول على موافقة مصادر التمويل فى العالم العربى والمتمثلة فى السعودية والإمارات وقطر والكويت، لكن الأنباء تشير الى أن اشتراك قطر قوبل برفض قاطع من الدول الخليجية الأخرى التى وعدت بتحمل وحدها ميزانية إعمار الدولة الفلسطينية وتأسيس البنية التحتية لمشروعاتها الاقتصادية الكبرى التى تقوم عليها الخطة والتى تقدر بمليار دولار.
إلا أن الزيارة التى قام بها جاريد كوشنر ومساعده الى المنطقة لم تحقق النجاح المأمول، وقد وجد الزائران الأمريكيان رفضا لم يكونا يتوقعانه فى كل من القاهرة وعمان مما جعلهما يصرحان بعد الزيارة بأن فرص نجاح الخطة منخفضة للغاية، وكان الرئيس الفلسطينى قد كرر قبل ذلك رفضه مجددا لتلك الخطة، وان كان الجانب الأمريكى قد اتخذ وقتها موقفا غريبا يقضى بالإصرار على الخطة حتى لو لم تلاق قبول الرئيس الفلسطينى، فهل سنفاجأ هذه المرة بتصريح أمريكى جديد يقول إنها ماضية فى «صفقة القرن»، حتى فى حالة رفض الأطراف المعنية؟!.
نقلاً عن الآهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع