توقيت القاهرة المحلي 05:21:31 آخر تحديث
  مصر اليوم -

متى نتحرك بدلا من الكلام؟

  مصر اليوم -

متى نتحرك بدلا من الكلام

بقلم - محمد سلماوي

 كلما نظرت إلى حال العرب ازدت اقتناعا بأن الفرق بين الكلمة والحركة هو أهم ما يفرق بين الأمم المتقدمة، وتلك التى ترزح تحت نير التخلف، فها هم الآخرون يكيلون لنا اللكمات، الواحدة تلو الأخري، ونحن نتصور أن كلمات الرفض والاستنكار والإدانة كفيلة بأن ترد القضاء، وبأن تؤكد عدم قبولنا له، وفى الوقت الذى يعتمد الطرف الآخر على التحرك المستمر نحو الهدف الذى يسعى إليه، نبتعد نحن عن هدفنا، وهكذا تزداد مع الوقت المساحة التى يحتلها الآخر وتتقلص بنفس القدر المساحة الباقية لنا.

أقول ذلك بمناسبة ذلك القرار الذى اتخذه الرئيس الأمريكى الأهوج دونالد ترامب بتقليص مساهمة بلاده فى ميزانية وكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة والمسئولة عن ايواء وإطعام أكثر من خمسة ملايين من اللاجئين الفلسطينيين بعد أن سدت فى وجوههم كل سبل العيش الطبيعية من مأكل ومسكن وغيره، وقد جاء هذا القرار البائس وغير الإنسانى بعد قرار آخر أكثر بؤسا، هو إعلان ترامب القدس عاصمة لدولة الاحتلال الصهيونية، ويجمع بين هذين القرارين أن العرب فى الحالتين لم يصدر عنهم أى تحرك إيجابى فى مواجهة تلك القرارات التى رفضها العالم أجمع.

فعندما فاجأ ترامب العالم باعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل كتبت فى هذا المكان مطالبا الدول العربية بالاعتراف فى المقابل بالقدس عاصمة لفلسطين، ولم أكن أقصد وقتها الاكتفاء بعقد مؤتمر قمة عربى أو إسلامى لإعلان ذلك، فكما استتبع إعلان ترامب خطوة تنفيذية واضحة هى نقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس، فقد كان المتصور فى حالتنا أيضا أن يستتبع إعلاننا القدس عاصمة للدولة الفلسطينية خطوات تنفيذية تزيد من مساحتنا وتضيق الخناق على التحرك الأمريكي، فقد كان من الممكن مثلا استغلال الرفض الدولى للقرار الأمريكى فى توسيع نطاق الاعتراف بعاصمة الدولة الفلسطينية، بل وتوسيع نطاق الاعتراف بالدولة الفلسطينية ذاتها التى مازالت بعض الدول ترى أنها يجب ألا تقوم إلا فى إطار التسوية الشاملة، أى بموافقة إسرائيل، رغم أن قرار الأمم المتحدة الصادر فى نوفمبر 1947 والذى نص على قيام الدولة اليهودية نص أيضا على قيام الدولة الفلسطينية، وقد قامت الدولة اليهودية بالرغم من رفض العرب، فلماذا لا تقوم الدولة الأخرى إلا بموافقة إسرائيل؟ لقد فتح الرفض الدولى لقرار ترامب المجال واسعا أمامنا لطرح مثل هذا المنطق الذى كان العالم مستعدا لأول مرة إن لم يكن لقبوله فعلى الأقل لمناقشته، ذلك أن ما حال فى السابق دون قبوله هو الاتفاق الضمنى بعدم اتخاذ قرارات أحادية فى هذا الشأن، وهى القاعدة التى أسقطتها الولايات المتحدة بقرار ترامب الذى اتخذ من جانب واحد ولم يتشاور فيه مع أحد بما فى ذلك حلفاؤه الأوروبين.

لقد تزايد فى السنوات الأخيرة عدد الدول العربية التى اعترفت بإسرائيل، بما فى ذلك منظمة التحرير الفلسطينية التى أسقطت من ميثاقها البند الخاص بعدم الاعتراف، فهل إسرائيل التى اعترفت بها الدول العربية هى ذاتها إسرائيل التى اغتصبت القدس المحتلة واتخذتها زعاصمة أبديةس لها؟ إن إسرائيل المعترف بها كانت عاصمتها تل أبيب وكانت القدس موضوعة على جدول أعمال المفاوضات الرامية الى التسوية الشاملة وفق قرارات الشرعية الدولية، فهل يظل الاعتراف بالدولة اليهودية ساريا حتى فى ظل خرقها للشرعية الدولية؟ وحتى فى ظل اغتصابها للأراضى التى احتلتها بدون وجه حق، إنها بذلك تعتبر دولة مارقة، ما قرار اعتبار القدس عاصمة لها إلا تأكيد جديد على ذلك، فكيف يكون الاعتراف بالدول المارقة؟ ألم تكن تلك فرصة فريدة لفتح مثل هذا النقاش لأول مرة مع بقية دول العالم الرافضة لقرار اغتصاب القدس؟ هل استثمرنا تلك الفرصة الفريدة، أم اكتفينا بالصراخ والعويل والإعلان ليل نهار رفضنا لقرار ترامب بينما تواصل إدارته الترتيبات اللازمة لنقل السفارة إلى القدس.

واليوم يجيء القرار التالى وهو خفض المعونة الأمريكية المخصصة لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين، فلم نكد نفيق من لطمة قرار القدس حتى جاءتنا لطمة قرار خفض المعونة التى يعتمد عليها اللاجئون الفلسطينيون اعتمادا كاملا، وحسبما أعلنت الوكالة فإن قيمة المعونة التى قدمتها الولايات المتحدة للوكالة خلال عام 2017 كانت 350 مليون دولار، لكنها خفضتها خلال العام الحالى بما قيمته 110ملايين دولار، أى بمقدار الثلث تقريبا، حيث أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية يوم الخميس الماضى أن الوزارة أوقفت دفعة قيمتها 45 مليون دولار كانت ذاهبة لبرنامج الغذاء الخاص بوكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين، وكانت الإدارة الأمريكية قد أعلنت فى وقت سابق أنها أوقفت مبلغ 65 مليون دولار أخرى كانت مخصصة للوكالة.

والسؤال مرة أخرى هو: ماذا فعلنا إزاء ذلك؟ أما الإجابة فهي: فعلنا ما فعلناه مع قرار نقل العاصمة الأمريكية، فقد تعالت الأصوات العربية ترفض القرار وتندد به وانتهى الأمر، وقد يسأل سائل: وماذا كان بوسعنا أن نفعل؟ وردا على ذلك أقول فلننظر لأهل الفعل من المعترضين على هذا القرار، ونرى ماذا فعلوا. لقد أبدت دول الاتحاد الأوروبى اعتراضها مثلنا على خفض المعونة الدولية للاجئين الفلسطينيين، لكنها لم تقف عند كلمات الرفض والتنديد، فقد وجدنا حكومة بلجيكا مثلا تعلن أنها ستزيد حصتها هذا العام فى ميزانية الوكالة بمقدار 23.3 مليون دولار لمواجهة القرار الأمريكي، وفى نفس الوقت أعلنت هولندا أنها ستقدم معونة إضافية للوكالة قيمتها 15 مليون دولار.

ألم يكن من الأجدر بالدول العربية أن تبادر قبل غيرها بتعويض النقص الناجم عن القرار الأمريكي؟ إن القضية هنا ليس قضية سياسية، وانما هى تتعلق بالغذاء اللازم لأكثر من خمسة ملايين مواطن فلسطينى تفاقمت أعدادهم بعد شردوا فى حرب 1948 وطردوا من ديارهم وفقدوا سبل عيشهم، ولقد كانت الولايات المتحدة التى سارعت بالاعتراف بالدولة اليهودية التى قامت على أنقاض فلسطين عام 1948، من بين الدول التى ساهمت فى العام التالى مباشرة فى إقامة وكالة خاصة برعاية اللاجئين الفلسطينيين تحت رعاية الأمم المتحدة، باعتبار ذلك مسئولية إنسانية يتحملها المجتمع الدولى الذى وافق على قيام اسرائيل، والآن بعد تنصلها من تلك المسئولية واستغلالها المعونة الإنسانية لأغراض سياسية، ألا يجدر بنا أن نتحرك أخيرا؟ أم أن علينا الاكتفاء بالكلام وترك الحركة للآخرين؟!


نقلا عن الاهرام القاهرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

متى نتحرك بدلا من الكلام متى نتحرك بدلا من الكلام



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon