محمد سلماوي
لم يلتق أديبنا الأكبر نجيب محفوظ بالروائى الكولومبى الراحل جابرييل جارسيا ماركيز، لكن حدث بينهما اتصال شخصى كنت الوسيط فيه، وذلك من خلال خطابين تبادلهما الأديبان فى مناسبتين فصلت بينهما سنون.
ففى نهايات عام 1994 حين قام مدعو الإسلام بمحاولة اغتيال كاتبنا الأكبر، والتى أراد لها الله الفشل، تلقى محفوظ خطاباً شخصياً من جابرييل جارسيا ماركيز من صفحتين كتبهما ماركيز بخط يده باللغة الإسبانية، وقد أرفق بهما ترجمتهما الإنجليزية المطبوعة، والتى قرأتها بنفسى على محفوظ فتأثر لذلك كثيراً، حيث تضمن الخطاب تهنئة لمحفوظ وللأدب العربى على نجاته، قائلاً إن أشعة الشمس تنتصر دائماً على السحب مهما كانت داكنة أو محملة بالأمطار، وتحدث ماركيز فى الخطاب عن تأثير محفوظ على الآداب العالمية وحثه على استمرار عطائه تحت كل الظروف.
أما المناسبة الثانية فجاءت بعد ذلك بحوالى عشر سنوات حيث كنت فى رحلة للولايات المتحدة التى كان ماركيز يمتلك فيها بيتاً يمضى فيه نصف العام، وحين علم محفوظ أننى سأقابل الكاتب الكبير قال لى: لا تسافر قبل أن أملى عليك خطاباً شخصياً له، ومثلما كان محفوظ فى المناسبة الأولى يمر بمحنة شخصية كان ماركيز يمر هو الآخر فى المناسبة الثانية بمحنة شخصية، وكان يتردد فى الأوساط الأدبية آنذاك أنه فقد القدرة على الكتابة وأنه لم يعد قادراً على مواصلة عطائه الأدبى، وهنا أراد محفوظ أن يقف إلى جواره، وأن يحثه على ضرورة المواصلة، فقال له فى الخطاب الذى قمت بترجمته إلى الإنجليزية، وأصر محفوظ على توقيعه بيده المرتعشة، إن عليه أن يكتب فى جميع الأحوال، فالكاتب يجب ألا يترك القلم، وتحدث إليه كما يتحدث المرء لصديق مقرب أو لشقيق، قائلاً له: يجب ألا يكون لديك شىء تكتبه حتى تمسك بالقلم، أمسك بالقلم فى جميع الأحوال واكتب، اكتب أى شىء، لكن لا تترك القلم، فالقلم هو الذى سيأتى لك بروايتك القادمة أو بالقصة القصيرة، والكتابة فى جانب منها عادة إذا انصرفت عنها انصرفت عنك.
وأذكر أننى سألت محفوظ تعليقاً على لقاءاته مع عدد كبير من الأدباء والمثقفين الأجانب الذين كانوا يتوافدون للقائه كلما قدموا لمصر: من هو الكاتب الذى لم تلتق به حتى الآن وتود لقاءه؟ فقال بلا تفكير طويل: ماركيز! لكن حتى رحيل أديبنا الأكبر عام 2006 لم يكن قد التقى به، فلا ماركيز زار مصر ولا سافر محفوظ خارجها، فقد شاءت الأقدار أن يؤجل هذا اللقاء حتى عام 2014 وألا يجرى فى مصر ولا فى أى بلد آخر فى هذه الدنيا.
"نقلا عن جريدة المصري اليوم"