محمد سلماوي
قال لى الباحث الألمانى الكبير: أنتم تتحدثون كثيراً هذه الأيام وبعد سقوط حكم الإخوان عن ضرورة فصل الدين عن الدولة، لكن الواقع أن الإسلام السياسى هو أحد حقائق الحياة السياسية فى المنطقة العربية، سواء سقط حكم الإخوان أو لم يسقط.
قلت: كيف تقول هذا ونهضتكم فى أوروبا كلها لم تقم إلا على فصل الكنيسة عن الدولة؟
لقد عشتم فى العصور الوسطى التى تسمونها عصور الظلام وضعاً مشابهاً لما يتطلع إليه أتباع الإسلام السياسى الذى تتحدث عنه، حيث كانت الكنيسة هى التى تحكم، ولم يتحقق التقدم فى عصر النهضة إلا بإنهاء تدخل الكنيسة فى أمور السياسة، من حسن حظكم أن الكنيسة لم تلجأ آنذاك إلى العنف والإرهاب، لكنها قبل ذلك كانت مسؤولة عن الكثير من التعصب والاستبداد الذى يجىء كلما سيطرت العقيدة التى هى المطلقة على السياسة التى هى نسبية.
قال: لكن الوضع عندكم مختلف، وقد تضطرون إلى التعايش مع الإسلام السياسى لسنوات مقبلة.
قلت: إن تلك الدماء التى تسفك فى الشوارع كل يوم هى أكبر دليل على استحالة استمرار هذا الوضع، فمثلما كانت محاكم التفتيش عندكم أكبر دليل على عدم جواز تدخل الدين فى الحياة اليومية للناس وفى حرية اعتقادهم، بل وفى القضاء أيضاً، فإن الإرهاب الذى نعانى منه الآن هو أكبر دليل على فشل الإسلام السياسى فى ممارسة السياسة وفق قواعدها المعروفة، وهى تذكرة يومية بعدم جواز خلط الدين بالسياسة.
قال: لكن المجتمع يجب أن يصل بشكل طبيعى إلى تلك القناعة، وأنا لا أرى أن المجتمعات العربية، أو الإسلامية بشكل عام، وصلت إلى ذلك بعد.
قلت: إذن هى قصة التخلف العربى مقارنة بالتقدم الغربى، فما يصلح لكم لا يصلح لنا، هل فعلاً تؤمنون بتلك النظرة العنصرية؟ هل تريدون القول إنكم فى الغرب تخلصتم من هذا الخلط غير الجائز بين الدين والدولة، واعتبرتموه أحد معالم التقدم الذى وصلتم إليه، لكنكم ترون أن علينا نحن أن نستمر فى هذا الخلط، لأن مجتمعاتنا لم تنضج بعد؟ لقد سبقت المجتمعات العربية بحضاراتها على مر التاريخ القارة الأوروبية كلها، ولولا التقدم الذى حققه العرب ما قام عندكم عصر النهضة، وها هى المجتمعات العربية تنفض عن نفسها أحد مظاهر التخلف التى عانت منها طويلاً، فكيف تريدون لها ألا تفعل ذلك وأن تعود إلى عصوركم الوسطى التى تفخرون بأنكم تخطيتموها؟!.. فلم يرد.
"المصري اليوم"