محمد سلماوي
فوجئت فى بعض المواقع الخبرية على شبكات التواصل الاجتماعى، فيس بوك وتويتر، بتصريح لى لم أقله يحمل عنواناً مثيراً هو «محمد سلماوى يطالب بفرض ضرائب جديدة للمثقفين»، وبتعقب أصل الخبر وجدته منقولاً عن موقع يحمل اسم «مصر العربية نيوز»، وقد وردت به تفاصيل ما أنزل الله بها من سلطان، ملخصها أننى طالبت بأن تفرض على القطاع الخاص ضرائب جديدة تذهب لتمويل سفريات للمثقفين إلى الخارج لشرح حقيقة الأوضاع فى مصر للرأى العام العالمى!!
وبعيداً عن كون المثقفين الأقدر على تقديم صورة سليمة عن الأوضاع فى مصر، فإن أقل ما يقال عن هذا الكلام هو أنه هزل لا يصدر عن إنسان عاقل، وهو ما لم أقله على أى حال، بل قلت ما يمكن أن يوصف بأنه عكسه، ففى لقاء تليفزيونى مع وزير الخارجية، نبيل فهمى، أثير موضوع القوى الناعمة المصرية من ثقافة وآداب وفنون ودورها فى السياسة الخارجية، وقيل إن هناك مشكلتين أمام الآداب والفنون المصرية وهما قضية التمويل اللازم لاستمرار الثقافة وانتعاشها، وقضية الارتفاع بمستوى المنتج الثقافى نفسه.
وقلت إن دور الثقافة فى السياسة الخارجية يجب أن يعتمد على أهل الثقافة أنفسهم، وليس على الأجهزة الحكومية، فهم أصحاب المصداقية، وهم الأقدر على تقديم صورة صادقة عن الواقع المصرى، أما قضية الارتفاع بالمستوى الفنى للمنتج الثقافى فهى مرتبطة بمشكلة التمويل على مختلف المستويات من العرض المسرحى والفيلم السينمائى، إلى طبع ونشر الكتاب وإقامة المعارض التشكيلية وتقديم العروض الموسيقية، ومن المشاكل التى علينا مواجهتها فى المرحلة المقبلة عدم إمكانية اعتماد النشاط الثقافى فى مصر على التمويل الحكومى وحده، والذى يتناقص من عام إلى عام، وقلت إنه فى الدول الأخرى يضطلع القطاع الخاص بمسؤولية تمويل الفنون والآداب، وضربت مثلاً بأوبرا المتروبوليتان فى نيويورك التى تربو ميزانيتها على الـ200 مليون دولار، والتى تأتى بالكامل من القطاع الخاص.
وهنا أوضحت أن الفرق بين الحال عندنا وعندهم هو أن أى تبرعات من القطاع الخاص عندنا إنما تقتطع من لحم الحى، بينما فى الولايات المتحدة هى تخصم بالكامل من المستحقات الضريبية للمتبرع، وطالبت بأن نعيد النظر فى القانون الحالى الذى يضع سقفاً للتبرع للعمل العام وهو 15٪ فقط من المستحقات الضريبية للمتبرع. هذا ما قلته وهو لا يدعو إلى فرض ضرائب جديدة لتمويل سفريات المثقفين إلى أوروبا وأمريكا، وإنما يعنى ألا تفرض ضرائب جديدة، بل أن يخصم من الضرائب الحالية ما تبرع به الممول للنشاط الثقافى، أياً كانت قيمة هذا التبرع.
على أن القضية التى يثيرها هذا الموضوع فى الحقيقة هى قضية الدقة فى نقل المعلومة والحيدة فى تقديم الخبر، والتى يبدو أنها أصبحت عملة نادرة رغم أنها تتصل اتصالاً مباشراً باحترام القارئ، وباحترام حقه فى المعرفة، كما تتعلق أيضاً بتدنى المستوى المهنى للكثير من المواقع الخبرية التى تتزايد بلا ضابط ولا رابط.