عمرو الشوبكي
على الرغم من أنه لا يوجد نص قانونى يمنع التعليق على أحكام القضاء، إنما جرى العرف فى مصر على عدم التعليق على أحكام القضاء، رغم أنه من الطبيعى أن تناقش أحكام القضاء ودوافعها ومسبباتها من المتخصصين دون إساءة أو تشكيك.
ومع ذلك فسنحترم هذا العرف وسنقول إن الحكم على الرئيس السابق محمد حسنى مبارك بالبراءة كان متوقعاً، نتيجة جملة من الظروف أساسها قانونى، صاغها المستشار الجليل، محمود الرشيدى، بوضوح تام فى جلسة أمس.
ويبقى السؤال المطروح هو فى إمكانية تأثر أى حكم قضائى بالمزاج الشعبى والسياسى المحيط به، فالواضح أن الحكم الأول على حسنى مبارك بالسجن المؤبد لـ25 عاماً كان يحيط به مزاج شعبى ثورى يطالب بالقصاص من مبارك وأعوانه، واعتبر قضيته الرئيسية هى رموز النظام القديم، وليس المنظومة القديمة التى فشل فى تفكيكها وبناء بديل لها، إنما احتج عليها وصرخ فى وجهها فوصلت صرخته إلى ساحة القضاء.
والمؤكد أن ما جرى بعد ثورة 25 يناير كان مسلسلاً متتالياً من الفشل والمراهقة الثورية التى فتحت الطريق أمام ظهور رأى عام شعبى واسع تعاطف مع نظام مبارك، رغم فساده وترهله لأنه دخل فى مقارنة بين حالة الفوضى وعام الفعاليات الثورية التى حاصرت مديريات الأمن ووزارة الدفاع، وتصورت أن مصر ستتغير فقط بالصوت الاحتجاجى.
ونسى هؤلاء أن هناك أطرافاً عديدة داخل الدولة وخارجها فتحت الباب أمامهم لكى يصولوا ويجولوا فى الشارع وفى الإعلام وهى تعرف أنها فى نفس الوقت تخلق رأياً عاماً معادياً لهم من قوى محافظة وتقليدية، ومن حزب الكنبة الذى سبق وأيد ثورة يناير ولو بالدعاء، وليس فقط من شبكات المصالح المرتبطة بالنظام القديم.
اتجه المجتمع المصرى بعد عام من ثورة يناير إلى اليمين والمحافظ، واختار أن يقتسم تصويته بين يمين مدنى، مثله أحمد شفيق، وآخر دينى مثله محمد مرسى، وإذا أضفنا لهم أصوات عمرو موسى، فإن المؤكد أن أصوات القوى «غير الثورية» فى انتخابات 2012 كانت أكثر بكثير من مرشحين قالوا إنهم محسوبون على ثورة يناير.
وبعد 30 يونيو تعمق فى المجتمع الاتجاه المحافظ، وعادت دولة مبارك «لتشيطن» ثورة يناير، مستغلة خطايا قلة من الثوار، وساهم تحول الجماعة الرجعية والمحافظة، التى رفضت فى كل أدبياتها فكرة الثورة، إلى جماعة تحرض على العنف الثورى، إلى تعمق رافد جديد دعم الاتجاه المحافظ و«المباركى».
بل إن حكم مصر دون أى وسيط سياسى من أى نوع، وعبر دور مباشر لمؤسسات الدولة، دفع البعض إلى الترحم على عصر مبارك، الذى رأوا أنه كان فيه وسيط سياسى وحزبى حتى لو كان فاسداً، إلا إنه لم يخلُ من بعض الإصلاحيين، وإن القبول فى 11 فبراير ببديل من داخل النظام القديم، وبتعديل لدستور 71 بدلا من خطاب يسقط أى نظام، كان أضمن وأئمن من المسار الذى دخلت فيه مصر منذ يناير، وهى كلها عوامل أعادت الاعتبار لمبارك ليس لأنه لم يكن سيئاً، إنما لأن ما شهده الناس بعده كان أكثر سوءا.
المطلوب ليس الاستمرار فى مسلسل لطم الخدود الذى تفنن فيه البعض، فمبارك أصبح جزءا من الماضى، إنما فى تعديل خريطة القوى الاجتماعية والسياسية التى اتجهت فى مزاجها الغالب لأقصى اليمين، والعمل على بناء بديل سياسى يعدل من الواقع السياسى القائم على الأرض، وليس البكاء على حكم البراءة.