توقيت القاهرة المحلي 06:32:02 آخر تحديث
  مصر اليوم -

البرلمان الحائر

  مصر اليوم -

البرلمان الحائر

عمرو الشوبكي

يتعامل البعض مع البرلمان القادم بقدر كبير من الاستخفاف، أو كما كتب صديقنا د. عمرو هاشم ربيع «أهى انتخابات والسلام»، ويعمل البعض الآخر على استعداء قطاعات من الشعب المصرى ضد البرلمان وترديد جمل من نوع «دع الرئيس والحكومة يعملان، ولا تعطلوا المسيرة بالبرلمان»، بما يعنى فتح الباب أمام بناء نظام استبدادى لن يحل مشكلة اقتصادية وسياسية واحدة، مهما كان حجم الصراخ الإعلامى.

والحقيقة أن كراهية الأحزاب والبرلمان لصالح الفراغ الذى يؤسس لفشل قبل استبداد هو مثل كراهية الدولة لصالح الفوضى والاستباحة ونظريات «يسقط الرئيس القادم» دون تقديم أى بديل. والمؤكد أن أى برلمان فى مصر حاليا لن يكون برلمانا مثاليا، وستكون به سلبيات كثيرة، حتى لو كانت هناك قوانين ملائمة تساعد على تفعيل دوره واختيار أفضل العناصر، تماما مثلما هو الحال بالنسبة للسلطة التنفيذية، فمهما كان إخلاصها وصدقها فإن طبيعة المشكلات التى تواجهها البلاد تجعل أداءها محل نقد وتحفظ من قِبَل الكثيرين.

والحقيقة أن حيرة السلطة من البرلمان جعلت هناك أسئلة كثيرة تثار حول طريقة تعاملها معه: وهل القوانين التى صدرت وتتعلق بتقسيم الدوائر ونظام الانتخابات عفوية أو على الأقل تعكس رؤية حيادية ومن أجل الصالح العام، أم أن لها أهدافا سياسية غير معلنة منها جعل البرلمان مفتتا ومنقسما حتى تسهل السيطرة عليه؟

والحقيقة أن قانون نائب لكل 140 ألف مواطن الذى جرى ترتيبه فى الغرف المغلقة دون أى مشاركة من القوى السياسية والمجتمعية لم يخف وزير التنمية المحلية القول، وبشكل علنى، إنه من أجل منع العناصر الإخوانية من دخول البرلمان، وإنه جار تفتيت الدوائر التى بها كثافة لعناصر الجماعة لمنعها من دخول البرلمان. والحقيقة أن معضلة هذا التصور أنه من ناحية يضرب المبدأ الأساسى وراء صدور أى قانون، وهو الحياد والمصلحة العامة، كما أنه يعكس نوعا من الوصاية على الشعب الذى لفظ فى أغلبه حكم الإخوان، ولا يحتاج إلى قانون تفصيل حتى لا ينتخبهم إلا إذا كنا أمام سلطة أفشل من الإخوان جعلت الناس يحنون إلى حكم الجماعة، وهو غير صحيح، فيصبح من المدهش اختزال الجهود فى استبعادهم وليس تقوية مسارك وبناء بديلك القادر على دفع الناس للاختيار الحر من خارج الجماعة.

إن قانون تقسيم الدوائر الذى قيل فى العلن إنه سيستبعد الإخوان نتائجه عمليا ستكون القضاء على النائب السياسى لصالح النائب الذى ستنتخبه عصبيته العائلية أو ماله أو حارته وشارعه وشارع جيرانه وأحبائه، وإذا أضفنا له قائمة نخبوية أخرى ستقررها العاصمة نيابة عن كل المحافظات فى انتخابات القطاعات الأربعة فإننا فى هذه الحالة سنخلق برلمانا مشوها ومنفصلا عن القوى الحية داخل المجتمع، بما يعنى أن الفعل السياسى سيكون خارج البرلمان والقنوات الشرعية، وستكون الكلمة العليا للصوت الاحتجاجى خارج البرلمان.

والحقيقة أن هناك تصوراً آخر مقابلاً لهذا التصور يقول إنه لا يوجد هدف سياسى وراء صدور القوانين المنظمة للانتخابات، وإنها مجرد اجتهادات لفنيين يحكمها هدف واحد فقط هو إقصاء الإخوان وليس سيطرة السلطة على البرلمان، وإن الرئيس لن يؤسس حزباً سياسياً فى الفترة الحالية، وإن من مصلحته أن يرى بنفسه أداء القوى السياسية فى الانتخابات دون أى قوانين معيقة حتى يقرر مع من يتحالف ويفتح باب الظهير الحزبى بعدها.

ورغم أن موضوع الظهير الحزبى للرئيس لن يحسم بالقطع قبل انتخابات البرلمان، فإن الخطر فى وجود حسابات سياسية ضيقة بدأت حين اجتهد البعض لصالح تفصيل المجال العام والسياسى على مقاس ما يتصور أنه صحيح، وإضاعة فرصة بناء مجال سياسى وعملية انتخابية قابلة للحياة وقادرة على دمج القوى السياسية الفاعلة فى المسار الشرعى والقانونى.

إن فكرة تفصيل المجال السياسى لصالح شكل أو أغلبية برلمانية، حتى لو جاءت بانتخابات حرة، ستعنى أننا نؤسس لنظام سياسى غير قادر أو راغب فى المنافسة السياسية، فى حين أن الرؤية الثانية الغائبة تقول إنه يجب أن تكون هناك بيئة سياسية محايدة يطبق فيها القانون، وتعمل على اختيار أفضل العناصر داخل البرلمان، وتقبل بالتنوع والتعدد السياسى، وتضم المؤيدين والمعارضين، ماداموا لا يحرضون ولا يمارسون العنف ويؤمنون بالدستور والقانون والعمل السياسى السلمى.

أما أن يقول البعض إننا فى مرحلة خطرة واستثنائية، (وهو صحيح)، ليبرر ما يقوم به، ويعتبر أن الحل فى تفصيل البرلمان وممارسة وصاية على الناس، باعتبارهم قصر، فى حين أن هؤلاء الناس أنفسهم كانوا عظماء حين انتخبوا الرئيس السيسى بأكثر من 90% وتركوا لإرادتهم الحرة، وعاد الآن واعتبرهم تحت الوصاية، لأن بعضهم يعارض وبعضهم الآخر يختلف وبعضهم الثالث غامر وقرر أن يكون حزبياً، فيكون الحل بتفصيل قوانين، فذلك لن يخدم من فى السلطة وسيضر بالبلد ضرراً شديداً.

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البرلمان الحائر البرلمان الحائر



GMT 06:32 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الجزائري خارج الجزائر

GMT 06:30 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الجديد... أي أميركا ننتظر؟

GMT 06:29 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

نصيحة السيستاني الذهبية

GMT 06:28 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب غزة في حفرة الأرنب

GMT 06:26 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

خنادق الآيديولوجيا وأقفاصها

GMT 06:25 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب الساعات الأربع!

GMT 06:23 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تتهدّد الحربُ الأهليّة لبنان؟

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

منطقتنا واليوم التالي

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:20 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يؤكد أنه سيقر بهزيمته إذا كانت الانتخابات عادلة
  مصر اليوم - ترامب يؤكد أنه سيقر بهزيمته إذا كانت الانتخابات عادلة

GMT 01:37 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق مختلفة لاستخدام المرايا لتكبير المساحات الصغيرة بصرياً
  مصر اليوم - طرق مختلفة لاستخدام المرايا لتكبير المساحات الصغيرة بصرياً

GMT 02:38 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يؤكد أن هناك الكثير من عمليات الغش في فيلادلفيا
  مصر اليوم - ترامب يؤكد أن هناك الكثير من عمليات الغش في فيلادلفيا

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد هنيدي يتراجع عن تقديم عمّ قنديل في رمضان 2025
  مصر اليوم - محمد هنيدي يتراجع عن تقديم عمّ قنديل في رمضان 2025

GMT 15:53 2018 الإثنين ,12 آذار/ مارس

إستياء في المصري بسبب الأهلي والزمالك

GMT 10:53 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي على وصفات طبيعية للعناية بالشعر التالف

GMT 02:56 2018 الأربعاء ,04 تموز / يوليو

الفنانة ميرنا وليد تستعد لتقديم عمل كوميدي جديد

GMT 19:15 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

سامح حسين يكشف عن الأفيش الأول لـ"الرجل الأخطر"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon