أسوأ ما تشهده مصر هو ترويج الأباطيل على أنها حقائق، والكذب على الناس بالخداع والصوت العالى، والحملة التى اشتعلت ولم تُطفأ فى مواجهة الدستور كانت محمَّلة بالشعارات والادعاءات الكاذبة، التى وجدنا معها- لأول مرة- رجال دين ومرشحين فى مجلس النواب يرددون تلك الجملة التحريضية والكاذبة بأن البرلمان من حقه سحب الثقة من رئيس الجمهورية.
والحقيقة أنه فى مجال النظم السياسية (وليس النظم المهلبية) لا يوجد نظام سياسى واحد يُنتخب فيه رئيس الجمهورية من الشعب، ويكون من حق أى وسيط آخر غير الشعب أن يسحب الثقة منه، سواء كان البرلمان أو أى سلطة أخرى، فى حين أن النظم السياسية التى يُنتخب فيها رئيس الوزراء من البرلمان، وأحياناً الرئيس (فى النظم البرلمانية التى تكون فيها صلاحيات رئيس الجمهورية رمزية) يكون من حق البرلمان سحب الثقة من أى رئيس، سواء كان لمجلس الوزراء أو للجمهورية.
وبما أن فى مصر رئيس الجمهورية يُنتخب مباشرة من الشعب، على اعتبار أن النظام المتبع هو أقرب للنظام الرئاسى، أو ما يُعرف بـ«شبه الرئاسى»، فإن الرئيس لا يمكن عزله من البرلمان إنما فقط من الشعب، فى حين أن رئيس الوزراء الذى يُنتخب من البرلمان يمكن للأخير أن يسحب الثقة منه.
وبما أن الدستور المصرى دستور محترم تفخر به أى أمة، ويُحسب لأعضاء لجنة الخمسين نواياهم الحسنة لا السيئة، فإن رئيس الجمهورية المنتخب من الشعب لا يحق للبرلمان سحب الثقة منه، إنما يمكن للشعب وفقط أن يسحب الثقة باستفتاء شعبى.
ولذا سنجد أن نص المادة 161 من الدستور المصرى المتعلقة بسحب الثقة من رئيس الجمهورية جاءت كالتالى:
«يجوز لمجلس النواب اقتراح سحب الثقة من رئيس الجمهورية، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، بناءً على طلب مسبب وموقع من أغلبية أعضاء مجلس النواب على الأقل، وموافقة ثلثى أعضائه. ولا يجوز تقديم هذا الطلب لذات السبب خلال المدة الرئاسية إلا مرة واحدة. وبمجرد الموافقة على اقتراح سحب الثقة يُطرح أمر سحب الثقة من رئيس الجمهورية وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة فى استفتاء عام، بدعوة من رئيس مجلس الوزراء، فإذا وافقت الأغلبية على قرار سحب الثقة يُعفى رئيس الجمهورية من منصبه، ويُعد منصب رئيس الجمهورية خالياً، وتجرى الانتخابات الرئاسية المبكرة خلال ستين يوماً من تاريخ إعلان نتيجة الاستفتاء. وإذا كانت نتيجة الاستفتاء بالرفض عُدَّ مجلس النواب منحلاً، ويدعو رئيس الجمهورية لانتخاب مجلس جديد للنواب خلال ثلاثين يوماً من تاريخ الحل».
إذن نحن أمام برلمان من حقه فقط أن يقترح سحب الثقة من رئيس الجمهورية، أما صاحب الحق الوحيد والأصيل فى تنفيذ هذا الاقتراح فهو الشعب المصرى دون غيره، ويصبح صراخ البعض على طريقة «أغيثونا، البرلمان القادم سيسحب الثقة من رئيس الجمهورية» نوعاً من التزوير والتخويف من برلمان لم يأت، وإذا جاء يجب أن يخاف الناس من درجة تأييده، وأيضاً عدم قدرته على أن يكون معبراً عن التنوع الموجود داخل المجتمع المصرى، بسبب سوء قانون الانتخابات ونظام القوائم المعتمد.
المدهش والصادم هو أن البعض تجاهل الصلاحيات المهمة التى نص عليها الدستور المصرى لرئيس الجمهورية، وكأنه يرغب فى بناء دولة استبدادية وليس دولة رئاسية ديمقراطية، وبعض هذه الصلاحيات ليس موجوداً فى النظم الرئاسية.
فمن حق رئيس الجمهورية، وفق الدستور المصرى، اختيار وزراء السيادة الأربعة (الداخلية والخارجية والدفاع والعدل)، كما من حقه أيضاً أن يعين 5% من أعضاء البرلمان (27 عضواً فى البرلمان القادم)، وهو نص غير موجود فى كل النص الرئاسية، وبات تقليداً مصرياً خالصاً، كما يحق له حل البرلمان باستفتاء شعبى، وفى حال رفض الشعب اقتراح رئيس الجمهورية لحل البرلمان لا يجبر الرئيس على الاستقالة، كما جاء فى النص المقترح من لجنة الخبراء التى اختارتها الدولة وغيَّرتها لجنة الخمسين، وهذا على عكس مصير البرلمان فى حال إذا اقترح سحب الثقة من الرئيس ورفض الشعب هذا الاقتراح فيحل.
إن نظام الحكم فى مصر هو نظام شبه رئاسى أقرب للنظام الفرنسى، ومن الوارد أن تتغير بعض مواده إذا ثبت فى الممارسة العملية أن هناك عواراً صاحب تطبيقها، أما أن يختلق البعض الحديث عن مواد وهمية وغير موجودة بغرض بناء نظام استبدادى فهذا مكمن الخطر.
يقيناً، الشعب المصرى ليس شعباً جاهلاً حتى لو بلغت نسبة الأمية فيه حوالى الثلث، فالمؤكد أن الغالبية مازالت تقرأ، ولديها فطرة سليمة وتعرف أنها لن تعدل نصاً دستورياً إلا إذا ثبت فى الممارسة العملية أنه غير صالح، أما اختلاق الأكاذيب من أجل العودة لنظام مبارك ومرسى مرة أخرى تحت حجج مختلفة، فهو أمر لن ينطلى على أغلب الناس حتى لو هتف البعض كل يوم بأن البرلمان يسحب الثقة من رئيس الجمهورية.