عمرو الشوبكي
النقاش حول كتابات الأستاذ هيكل أقل من النقاش حول نواياه وعلاقاته بالسلطة وثروة أبنائه، على عكس ما يجب أن يكون، وعلى خلاف ما كان يجرى فى فترات سابقة، خاصة طوال الفترة التى ترأس فيها تحرير «الأهرام»، واختار أن يكون قريبا من مشروع وسلطة جمال عبدالناصر، واحتل الجدل حول ما يكتب جانبا كبيرا من النقاش العام فى مصر والعالم العربى، وكانت «بصراحة» هى بوصلة الكثيرين لمعرفة ما يجرى فى المنطقة.
والحقيقة أن النقاش حول مضمون ما يكتبه هيكل ظل مستمرا طوال السبعينيات وبعد أن اختار أن يبتعد عن السلطة الجديدة التى مثلت بالنسبة للكثيرين (ومنهم الأستاذ) توجها مختلفا عن توجهات عبدالناصر.
إن كتاب «خريف الغضب»، الذى شرح فيه هيكل بالنقد نظام الرئيس الراحل أنور السادات، ناقشه الكثيرون اتفاقا واختلافا، ومع التدهور الذى أصاب مصر فى عهد مبارك، واعتماد البعض حملات تشويه منظمة لا علاقة لها بالأفكار التى يطرحها الرجل طالما جاءت من خارج قافلة التطبيل وأسراب النفاق وإلغاء العقل والتفكير، فالنتيجة هى هجوم لا علاقة له بدحض الفكرة ولا الاختلاف معها، كما كان يحدث فى مصر فى عهود سابقة، (ليس فى العهود الفرعونية إنما حتى 40 عاما مضت)، وهو ما يخلق فى البلاد المحترمة نقاشا عاما وصراع أفكار يطور المجتمع ويدب الحياة فى شرايين نخبته وقواه الحية، بدلا من أحاديث الـ«سى دى» والتسجيلات المسربة وفواصل الردح والحملات المشبوهة.
المؤكد أن حوار هيكل الأخير طرح عدة قضايا مثيرة للجدل والنقاش، ورسائل على قدر كبيرة من الأهمية تذكرنا بما قاله فى أكتوبر 2009 فى حواره مع رئيس تحرير «المصرى اليوم» فى ذلك الوقت الأستاذ مجدى الجلاد.
ولعل الفكرة الرئيسية التى طرحها الأستاذ هيكل فى ذلك الوقت كانت تتعلق بمطالبة الرئيس مبارك بتشكيل «مجلس أمناء الدولة والدستور»، الذى يتكون من 12 شخصية عامة، وطرح هيكل أسماء سبعة منهم، وطالب بأن يكون تحت إشراف رئيس الجمهورية والقوات المسلحة.
وأذكر أنى كتبت مقالا فى 28 أكتوبر 2009 تحت عنوان «كلمة هيكل للتاريخ أم للمستقبل؟» جاء فيها: «كالعادة، كان هناك كثير من ردود الأفعال التى هاجمت ببذاءة الأستاذ هيكل، ولم تناقش الموضوع ولو بالرفض، والعجيب أن هؤلاء يرتعدون أمام أى مخبر صغير فى عمر أحفاده».
ما أريد أن أقوله إن هناك إصلاحيين داخل النظام والدولة، وحتى الحزب الوطنى، ولكن المنظومة التى تربّوا فيها لا تسمح لمعظمهم بمجرد مناقشة أفكار من نوع «استئذان الرئيس» بالانصراف معززا مكرما، وحثه على الراحة بعدم ترشيح نفسه لولاية قادمة، وبالتالى يصبح سيناريو «إقناع الرئيس» بمغادرة السلطة أمرا شبه مستحيل.
من المؤكد أن مصر لن تفلح فى الرياضة ولا السينما والمسرح، ولن تستعيد عافيتها الاقتصادية دون إصلاح سياسى، وهنا تكمن الأهمية التاريخية لـ«حوار المستقبل»، لأنه، من جهة، حوار «توافقى» حدث فى كثير من المجتمعات التى تحولت متأخرة نحو الديمقراطية.
وقد طرح الرجل أسماء مثل عمرو موسى وعمر سليمان ومنصور حسن وحازم الببلاوى، وجميعهم يمكن وصفهم بإصلاحيين أو محترمين من داخل الحكم وخارجه، بما يعنى أننا لسنا أمام بديل «ثورى»، وأن إشراف الرئيس والجيش على هذه العملية يدل على أننا أمام إصلاح من الداخل.
السؤال: هل كان أفضل لمصر وللقوى السياسية، وحتى لمبارك، تبنى هذا الاختيار، أم أن نظام مبارك الشائخ والكاره للكفاءات هو الذى سهّل عملية سقوطه وليس قوة الثورة؟
لقد قدم «هيكل» فى كلمته الأخيرة مجموعة أفكار جديرة بالنقاش، ورسالة واضحة تطالب السيسى بالثورة على نظامه، وهى تستحق النقاش حول مضمونها وفرص نجاحها.