توقيت القاهرة المحلي 07:22:26 آخر تحديث
  مصر اليوم -

جزرنا المنعزلة

  مصر اليوم -

جزرنا المنعزلة

بقلم عمرو الشوبكي

فى أى مجتمع هناك تنوع اجتماعى وثقافى يمكن أن يكون مصدر ثراء إذا كان هناك نظام سياسى عادل وكفء وديمقراطى، وفى مجتمعات أخرى يتحول هذا التنوع إلى مصدر شقاء وانقسام، خاصة إذا كانت له أبعاد عرقية أو طائفية أو دينية.

والحقيقة أن الانقسام الموجود فى مصر ليس عرقيا ولا طائفيا، وحتى الانقسام السياسى كان يمكن تخفيفه بإجراءات سياسية تحد من آثاره الضارة لا تعمقها، إنما هناك أساسا- «بجانب الانقسام السياسى المعروف»- انقسام اجتماعى وثقافى تَعَمَّق، بسبب غياب القواعد القانونية التى تنظم المجال العام والثقافة العامة والتعليم العام، وتجعل أى مجتمع يتشارك فى منظومة قيم متقاربة.

ولعل أحد أبرز الانقسامات المجتمعية فى مصر حاليا يتمثل فى الفارق بين جزيرتى التعليم الحكومى العام والتعليم الأجنبى، وهو ما يتضح فى طريقة تعامل خريجى كل «جزيرة» مع الناس والمجتمع، بجانب الفارق فى طبيعة كل وظيفة يلحق بها أبناء كل «جزيرة»، فغالبية خريجى الجامعات والمدارس الحكومية يكون تعيينهم فى المؤسسات المحلية والوطنية والوزارات المختلفة، فى حين أن غالبية خريجى الجامعات الأجنبية يلتحقون بالمؤسسات العالمية والبنوك الأجنبية والشركات متعددة الجنسيات.

ورغم انهيار التعليم الحكومى، فإننا سنجد كثيرين تعلموا تعليما جيدا بجهودهم الخاصة، سواء بكدهم وعرقهم ومتابعتهم كل ما هو ثمين خارج المقرر، أو عن طريق الدروس الخصوصية، ومع ذلك تخرَّج مئات الآلاف من طلاب المدارس الحكومية وهم فاقدون لأهم ما يميزهم، وهو إتقان اللغة العربية، حتى صارت الأخطاء البديهية وعدم القدرة على تركيب جمل عربية مفهومة- وليس بالضرورة صحيحة- سمة غالبة لكثير من خريجى المدارس الحكومية، بالتوازى مع ضعف شديد فى مستوى اللغات الأجنبية، يقابلهم خريجو المدارس والجامعات الأجنبية الذين تعلم كثير منهم كل شىء إلا اللغة والثقافة العربية، وبدا بعضهم وكأنهم سياح أجانب يعيشون فى مصر لا علاقه لهم بمجتمعها.

وإذا كان من المؤكد أنه لا يمكن وضع جميع خريجى الجامعات الحكومية ثقافيا واجتماعيا وسياسيا فى سلة واحدة، وكذلك خريجو الجامعات الأجنبية، فكلاهما متنوع ومختلف، ولكن يقينا أن هناك سمة غالبة عند كل جانب عَمَّقها العيش داخل جزر منفصلة.

إن غالبية مَن يرون أن الديمقراطية وقضايا الحريات العامة يمكن تأجيلها من أجل لقمة العيش هم أبناء الثقافة المحلية والتعليم العام، وأن تأييدهم النظام السياسى الحالى يرجع إلى صعوبة أوضاعهم الاقتصادية وعدم انفتاحهم على العالم، «رغم وسائل التواصل الاجتماعى»، مثلما هو متاح للشباب المتعولم من خريجى المدارس والجامعات الأجنبية.

والحقيقة أن هناك كتلة غالبة من كل فريق: الحكومى العام، والأجنبى الخاص، خلقت لنفسها جزيرة منعزلة بمفرداتها ولغتها الخاصة وموقفها المختلف من نظام الحكم والقيم العامة السائدة، فأبناء التعليم العام هم فى أغلبهم موظفو الحكومة والإدارات العامة بكل مستوياتها العليا والدنيا، وهم رافضو قانون الخدمة المدنية، ولا يرتاحون لفكرة الإصلاح الإدارى والمؤسسى، يقابلهم سكان الجزيرة الأخرى، الذين يرى كثير منهم أن المشكلة فى جهل الشعب، وينظرون باستعلاء إلى كل مَن يعيش داخل جزيرة التعليم العام والمحلى «Local»، دون أى قدرة على التواصل معهم والشعور بالمسؤولية تجاه تطوير أوضاعهم الاجتماعية والتعليمية.

جزرنا المنعزلة عمَّقها عدم الاهتمام بالتعليم العام، واعتباره قضية بناء مدارس وجدران، وليس مشروع النهضة الوحيد القادر على تقدم أى أمة، كما أن وجود رؤية شاملة تربط التعليم الأجنبى بثقافة المجتمع ولغته العربية، جنبا إلى جنب مع القيم الإنسانية، هو أيضا شرط بناء نخب متجانسة قادرة على التواصل فيما بينها ومع المجتمع، وكسر حصون الجزر المنعزلة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جزرنا المنعزلة جزرنا المنعزلة



GMT 02:14 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حوارات لبنانية

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:31 2024 الأحد ,18 آب / أغسطس

الهدنة المرتقبة

GMT 07:42 2024 الأحد ,28 تموز / يوليو

الإسقاط على «يوليو»

GMT 05:04 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

إسرائيل و«حزب الله»... التدمير المتواصل

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:00 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مندوب مصر في مجلس الأمن نواصل جهودنا لدعم الشعب السوداني
  مصر اليوم - مندوب مصر في مجلس الأمن نواصل جهودنا لدعم الشعب السوداني

GMT 00:03 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

نيقولا معوض بطل كليب تركي دويتو مع إيلين ييليز
  مصر اليوم - نيقولا معوض بطل كليب تركي دويتو مع إيلين ييليز

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 16:22 2018 الثلاثاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

جماهير تطلب فتح المدرج الشرقي في مواجهة بوركينا

GMT 11:58 2024 الخميس ,06 حزيران / يونيو

أفضل فساتين الخطوبة للمحجبات

GMT 00:10 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 5 درجات يضرب ألاسكا الأميركية

GMT 08:42 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير شئون «النواب» يناقش تطورات مجال حقوق الانسان في مصر

GMT 12:54 2019 الأربعاء ,04 أيلول / سبتمبر

الفنانة يارا تفاجئ جمهورها علي تطبيق "سناب شات

GMT 03:31 2019 السبت ,29 حزيران / يونيو

فيل يبتكر طريقة ذكية ليتناول طعامه من فوق شجرة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon