عمرو الشوبكي
جريمة حرق الكتب فى مدرسة «فضل الحديثة» بمحافظة الجيزة ليس فقط محلها جهات التحقيق، وأن الصدمة التى أصابت قطاعا حيا من المجتمع المصرى لايزال صامدا رغم الهجمة الظلامية الجديدة فى الفكر وكراهية الآخر وتخوين المخالفين حتى وصلت على يد بعض رجال «التربية والتعليم» إلى ممارسة سلوك داعشى بامتياز، وصفه الكاتب الشاب براء أشرف فى مقال رائع بـ«المصرى اليوم» حمل عنوان «مدرستى لا تحرق الكتب».
المؤسف والصادم هو حجج القائمين على جريمة الحرق وتبريراتهم لهذه الجريمة التى حسرتنا على مستقبل أبنائنا الذين اعتدنا أن يقعوا فريسة الجهل والإهمال، وأصبحوا اليوم ضحية «داعش الجديدة» التى حرقت الكتب وهى تحمل أعلام مصر وتغنى لها فى مشهد بائس وكارثى بامتياز.
اسمعوا ما قالته وكيل وزارة التربية والتعليم عن الواقعة: الكتب المضبوطة لم تكن فى القائمة المسموح بها للمكتبات المدرسية، وأنه تم تسريبها إلى مكتبة المدرسة دون المرور على اللجنة المُكلفة بتيسير العمل بمعرفة مجلس إدارة 30 يونيو المتحفظ عليها ضمن ممتلكات مدارس الإخوان.
وأوضحت أن التعليمات الأمنية تقضى بإعدام الكتب الخارجة عن المألوف وليس فرمها، ومن هنا كان اللجوء لحرق الكتب المضبوطة بعد التأكد من مخالفة مضمونها لمبادئ الإسلام المعتدل (كثير منها ينتمى للفكر الإسلامى المعتدل وللكتب المدنية)، ولتكون عبرة لحظر أى أفكار متطرفة، وأن أى مطبوعات مذكور فيها اسم الله يفضل أن تحرق ولا تفرم ولا تلقى فى المهملات، حفاظًا على اسم الله، جل جلاله.
وفور اكتشاف الكتب الممنوعة تم تشكيل لجنة كشفت عن وجود 82 كتابا غير واردة بالقائمة الوزارية وتم إعدام وحرق هذه الكتب فى فناء المدرسة مصحوبة بأغان وطنية مثل: يا أغلى اسم فى الوجود، والنشيد الوطنى: تحيا مصر، مع رفع الأعلام المصرية عاليًا بأيادى الحاضرين مع ملاحظة توافر وسائل الأمان من طفايات حريق وجرادل رمل وأفراد أمن أثناء الإعدام والحرق.
لا أحد سيختلف كثيرا عن أن «تستيف» الورق واللوائح واللجان هو جزء أصيل من أداء البيروقراطية المصرية تعودنا عليه منذ عقود طويلة، والمشكلة الأخطر هى فى هذا المناخ الذى أخرج من بعض الموظفين المسالمين فى مصر هذا السلوك المشين الذى لم تعرفه أى أمة إلا فى القرون الوسطى وفى النظم الفاشية والنازية والطالبانية (نسبة إلى نظام طالبان فى أفغانستان قبل الغزو الأمريكى).
صحيح أن هذه الحالة هى حالة فردية أو مارسها قلة من الناس، وأن الوزارة قامت بالتحقيق فى الموضوع إلا أن المشكلة الأخطر هى أن هؤلاء ليسوا مجرد قلة متطرفة أو جاهلة موجودة فى أى مجتمع إنما هم قيادات فى وزارة مسؤولة عن تخريج نشء سوى مؤمن بحرية الفكر والاعتقاد فى مواجهة من لا يؤمنون بحرية الفكر والاعتقاد من الإسلاميين المتطرفين، ولم يشعروا أن ما قاموا به جريمة طالما جاء مطابقا للوائح والتعليمات، ومارسوا فى النهاية سلوكا لم نره فى عهود 5 رؤساء سابقين فى مصر.
علينا أن نرفض (ونغير) أولا هذا المناخ الإعلامى والسياسى الذى يخرج من بعض موظفى مصر المسالمين طاقة تدمير وحرق، لا طاقة عمل وتجديد حتى أصبحنا أمام بلد يحارب أعداءه بالشعارات والهتافات اليومية ويحرق الكتب على أنغام الأناشيد الوطنية، وهو ما لم يبن وطنا ولم يصنع تقدما لا عندنا ولا عند غيرنا.