توقيت القاهرة المحلي 20:11:45 آخر تحديث
  مصر اليوم -

غزة الكاشفة

  مصر اليوم -

غزة الكاشفة

عمرو الشوبكي

مع كل عدوان إسرائيلى على قطاع غزة، نعيد على أنفسنا تكرار ثنائية ما يعرف بالتشدد والاعتدال، والتطرف والعقلانية، وغيرها من المصطلحات التى لا تعبر بدقة عن أزمة الواقع العربى، ولا عن طبيعة المشكلات التى يعانى منها النظام العربى بمعتدليه ومتشدديه على حد السواء.

والحقيقة أن رفض حماس، «المقاومة» أو المتشددة، المبادرة المصرية ولو مؤقتا عكس حجم الحسابات السياسية الخاصة والرديئة لهذه الحركة، والبعيدة كل البعد عن شعارات المقاومة، وكيف أنها خضعت لابتزاز قطر وأموالها حين دفعتها لرفض التحرك المصرى لمجرد أنه جاء من القاهرة حتى لو كان الثمن هو سقوط مئات الشهداء الأبرياء وآلاف المصابين.

العدوان الإسرائيلى على غزة والشعب الفلسطينى متكرر، وفشل حماس فى ردعه، ومعها باقى النظم العربية، بات أيضا مشهدا متكررا يعكس أزمة عميقة فى بنية النظام العربى، وحالة الضعف والوهن التى أصابت معتدليه ومتشدديه على السواء حتى لو كان الأخير يتحمل مسؤولية أكبر لأنه يدعى المقاومة على طريقة حزب الله وهو فى الحقيقة ينفذ أجندة عقائدية أو طائفية مغلقة لا علاقة لها بنبل شعارات المقاومة.

وقد عاد هذا الاستقطاب وأطل برأسه مرة أخرى عقب قيام إسرائيل بعدوانها الهمجى على قطاع غزة، واتهمت مصر من قبل جماعة الإخوان وحلفائها بالتواطؤ وعدم مواجهة المعتدى، فى حين أن منتقديها ممن يوصفون بالمتشددين، أى إخوان غزة من حركة حماس، لم يقبلوا بانتخابات حرة منذ أكثر من 10 سنوات، وسيطروا على القطاع بقوة السلاح وبإقصاء الآخرين تحت شعار المقاومة ومواجهة الاحتلال الصهيونى.

والحقيقة أن أزمة العالم العربى ظلت فى أنه لا المعتدلون أصبحوا معتدلين حقيقيين قادرين على التأثير والفعل الإقليمى والدولى كما كان ينتظر منهم، ولا المتشددون حاربوا إسرائيل على سبيل السهو والخطأ منذ حرب 1973 ونجح أى منهما فى تغيير ميزان القوى لصالح الجانب العربى.

والمؤكد أن هذا الولع المصرى بدبلوماسية العلاقات العامة والأحاديث المنمقة، التى تطالب إسرائيل بضبط النفس، ورفض الاعتداءات الإسرائيلية، وإدانة قتل المدنيين، بات غير مؤثر، فلا الدعوات المصرية والعربية المتكررة بضبط النفس جعلت إسرائيل تتراجع ولو مرة واحدة عن قرارها «بعدم ضبط النفس»، ولا رفض العدوان وشجبه منع إسرائيل من تكراره عشرات المرات.

وإذا كانت هناك مشكلة فى الأداء السياسى والدبلوماسى والإعلامى المصرى تستوجب المراجعة، فإن الجانب الآخر الذى يعرف بأنه متشدد لديه مشكلة أخلاقية وسياسية أكبر، فحماس اعتادت أن تدخل فى مواجهات ضد إسرائيل لم تسفر عن أى تغيير فى موازين القوى بين الجانبين العبرى والفلسطينى، ولا فى نيل تعاطف دولى لصالح القضية الفلسطينية، ولا فى دفع إسرائيل إلى وقف الاستيطان والالتزام بقرارات الشرعية الدولية.

وإذا اعتبرنا أن حماس فصيل متشدد لا يقرأ الواقع الدولى والإقليمى بصورة جيدة، وورط الشعب الفلسطينى فى تلك المأساة الإنسانية نتيجة «مغامراته الصاروخية»، فماذا قدم المجتمع الدولى والولايات المتحدة لسلطة عباس المعتدلة، وللشعب الفلسطينى من اجل التحرر وبناء دولته المستقلة.... لا شىء إلا الكلمات.

ومن هنا كان يجب أن تصبح ورقة الاعتدال والتشدد الفلسطينى بالكامل ورقة عربية، وأنه بحكم التلاصق الجغرافى لقطاع غزة مع مصر، والروابط التاريخية التى تربطه بالجانب المصرى، فكان يجب على القاهرة أن تبذل جهدا أكبر من أجل تعريب ثنائية التشدد والاعتدال الفلسطينى وربطها بالواقع العربى وبقضية التحرر الفلسطينى، وهو جهد مطالبة أن تلعبه مصر بالتنسيق مع دول اعتدال أخرى من داخل العالم العربى (السعودية) وربما خارجه من أجل تحويل هذه الثنائية من عبء على التحرر العربى والفلسطينى إلى عنصر قوة وضغط على الجانب الإسرائيلى، ولا يجب أن تترك قوى التشدد الحقيقية (على كل أخطائها) فى فلسطين، فى يد قوى تشدد مزيفة لا تعبأ بدماء الأبرياء وخسرت تقريبا كل معاركها فى مواجهه قوة احتلال باطشة تلتهم الأرض وتقتل الابرياء.

من المؤكد أن فى كل دول العالم متشددين ومعتدلين، وهناك صقور وحمائم، فإسرائيل نفسها تعرف هذه الثنائية (حتى لو كانوا جميعا صقورا علينا)، وإيران بها الإصلاحيون والمحافظون، ومصر بها متشددون ومعتدلون، ومن الطبيعى أن يكون على أرض فلسطين متشددون ومعتدلون، ولا بأس أن تكون حماس ممثلة للتشدد، والسلطة معبرة عن الاعتدال، لكن عليهما أن يلتزما بثوابت خطاب التحرر الفلسطينى، وأن يختلفا بالطرق السلمية لا برفع السلاح، وأن يعيا أنهما لن يستطيعا استعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى بالارتماء فى أحضان الاستراتيجية الأمريكية أو الإيرانية أو الإخوانية عبر مغامرات صاروخية يدفع ثمنها أبناء الشعب الفلسطينى ولم تبد حماس أى إحساس بالمسؤولية تجاه هذه الأرواح التى تسقط كل يوم.

إن حماس بأدائها السيئ وبقادتها المقيمين فى قطر ستظل توظف المقاومة لصالح أجندتها السياسية، ولن تأبه بدماء المدنيين الأبرياء الذين يسقطون كل يوم فى قطاع غزة، كما أنها لم تغير شيئا فى علاقات القوى مع إسرائيل ولم تحقق منذ سيطرتها على قطاع غزة مكسبا واحدا لصالح الشعب الفلسطينى، فحتى لو كانت فتح والسلطة الفلسطينية مأزومة أيضا إلا أنها لا تورط أبناء الضفة الغربية كل عامين فى مغامرة عسكرية يسقط فيها مئات القتلى وآلاف المصابين دون أى مقابل.

نعم فلسطين فى حاجة إلى معتدلين ومتشددين يتحركون لصالح القضية الفلسطينية، ومن أجل استعادة الحقوق المسلوبة للشعب الفلسطينى بالضغط السياسى والدبلوماسى، أو بالضغط الشعبى والجماهيرى عبر انتفاضة مدنية ثالثة تحاصر المحتل، وإذا توافق الشعب الفلسطينى على حمل السلاح فهنا نصبح أمام خيار شعب وتجربة جديدة للنضال المسلح ضد آخر قوة احتلال فى العالم، وليس مغامرات صاروخية لفصيل بعينه لا يأبه بدماء شعبه ولم يفوضه أحد إلا تنظيمه بإطلاق الصواريخ على إسرائيل واعتبار ذلك هو نموذج النضال الأمثل، لأن من يدفع ثمنه هم الأبرياء وليس قادة حماس المقيمين على أرض قطر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غزة الكاشفة غزة الكاشفة



GMT 08:57 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

هل وصلت دمشق متلازمة 1979؟

GMT 08:56 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

جهتا العقل والقلب

GMT 08:55 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... ولحظة سقوط الجدار

GMT 08:54 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

مع حسّان ياسين والحُكم الرشيد

GMT 08:53 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

«زوبعة» اجتياح الخرطوم!

GMT 08:52 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

أین توجد مقبرة الملكة نفرتیتي؟

GMT 08:50 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا بحكومتين والثالثة في الطريق

GMT 08:49 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

عن الرئيس ورئاسة الجمهورية!

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:38 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر
  مصر اليوم - إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر

GMT 10:34 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024
  مصر اليوم - الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 19:56 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

الدبيبة يكشف عن مخاوفة من نقل الصراع الدولي إلى ليبيا
  مصر اليوم - الدبيبة يكشف عن مخاوفة من نقل الصراع الدولي إلى ليبيا

GMT 09:38 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 19:37 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

مصر تُخطط لسداد جزء من مستحقات الطاقة المتجددة بالدولار

GMT 07:32 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

محمد صلاح يتصدر التشكيل المثالي في الدوري الإنكليزي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 20:06 2016 الثلاثاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد فيلكس يتمنى تدريب فرق الناشئين في النادي الأهلي

GMT 11:03 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

طريقة عمل الكيك بالبرتقال هشة وناجحة من أول مرة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon