عمرو الشوبكي
مادمت تقول إنك ديمقراطى وتؤمن بالديمقراطية، فلماذا إذن لم تغيروا مرسى بالديمقراطية؟.. سؤال متكرر طرح فى جلسة «رحلة التحول الديمقراطى فى العالم العربى» التى أعدها معهد الشرق الأوسط يوم الخميس الماضى بواشنطن، وقدمت فيها مداخلة عن مصر، وشارك فيها ثلاثة باحثين أمريكيين تحدثوا عن ليبيا واليمن وتونس.
وحين تكون فى أى ندوة خارج مصر وتكون تونس حاضرة، يكون الاحتفاء بها كبيرا، باعتبارها نموذج النجاح فى تجارب الربيع العربى، ويصبح السؤال الدائم حين يتعلق الأمر بالتجربة المصرية: لماذا تدخل الجيش وتوقفت التجربة الديمقراطية؟ ولماذا نجحت تونس فى أن تغير الإخوان بالوسائل الديمقراطية ولم تنجح مصر؟
والمؤكد أن هناك أغلبية شعبية وسياسية ظلت حتى آخر لحظة تطالب مرسى أولا بتغيير الوزارة ذات الأغلبية الإخوانية بأخرى محايدة، فغيّرها لصالح سيطرة إخوانية كاملة، ثم طالبته بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة ورفض، فكان خروج الملايين فى 30 يونيو ثم تلاها تدخل الجيش وعزل مرسى. والسؤال الكبير الذى يطرح من داخل الأصوات الأكاديمية والسياسية المستقلة: لماذا إذن لم تغيروا مرسى بالديمقراطية؟!
والحقيقة أن ما قلته فى أمريكيا وأسهبت فيه حول أسباب عدم تغيير الإخوان فى مصر بالديمقراطية (وقالت عكسه الجزيرة مباشر التى أذاعت المؤتمر وردده معها الإعلام الأصفر) على خلاف تجربة تونس، الذين خسروا فيها انتخابات البرلمان بالديمقراطية، وسيخسر إن شاء الله مرشحهم فى الرئاسة بالديمقراطية- هو أنه لم يكن هناك فى مصر حزب سياسى، إنما كانت هناك جماعة عقائدية سرية اسمها جماعة الإخوان المسلمين رفضت أن تقنن نفسها واعتبرت أنها فوق الدولة والقانون والمؤسسات، وأن حزبها الحرية والعدالة كان مجرد ديكور يحركه مكتب الإرشاد السرى، فى حين أن فى تونس كان هناك حزب سياسى اسمه حركة النهضة وليس جماعة عقائدية سرية. والحزب، بحكم التعريف، يمكن أن تضغط عليه وتصل معه لحلول وسط على خلاف الجماعات العقائدية، كالإخوان وغيرها، لا يمكن أن تغيرها بالطريقة الديمقراطية أو كما قلت حرفيا: «لم تكن هناك فرصة لتغييرها بالديمقراطية».
والحقيقة أن الغرب، خاصة فى الأوساط العلمية، لا يفهمون هتافات البعض عندنا التى تقول إننا عجبة بين دول العالم، ولابد أن يكون الرئيس من خلفية عسكرية لأننا شعوب فى حاجة لشدة وعنف وغيرهما من المفردات التى يرددها البعض.
والمؤكد أننا شعب يستحق الديمقراطية ويستحق نظما قادرة على الإنجاز الاقتصادى والإصلاح السياسى واحترام حقوق الإنسان، وأن خطاب احمدوا الله أنكم لستم سوريا والعراق (ونحمده حتما) فى مقابل الصمت عن أخطاء جسيمة تحدث سيكون ثمنها باهظاً على البلد ككل.
هناك من ينظر للاستبداد فى مصر ويبرره ويرى أنه طالما هناك إرهاب فكل شىء مباح ومستباح، وهناك رأى آخر يرى أنه لكى ننجح فى مواجهة الإرهاب لابد من إصلاح سياسى وديمقراطى وإعادة بناء مؤسسات الدولة، وإنه لابد من اعتبار 3 يوليو حدثا استثنائيا وصّلنا إليه حكم الإخوان، لأن الطبيعى أن يغير المصريون رئيسهم بصندوق الانتخابات وبالآليات الديمقراطية، بشرط ألا يكون الرئيس أو جماعته مصدر تهديد للديمقراطية ولكيان الدولة والمجتمع نفسه.
وهذه هى النقطة الفاصلة بين ثلاثة آراء فى مصر حول المسار الحالى: فهناك أولا من أصحاب الصوت العالى وهتيفة النظام الجديد وكل نظام من يعتبر أن 3 يوليو هى القاعدة الوحيدة التى يجب أن تؤسس عليها شرعية أى نظام سياسى فى مصر بأن يكون رئيسه من خلفية عسكرية، لأننا لا ينفع معنا بديل آخر إلا الحزم والشدة. والرأى الثانى (سيكتب له يوما صناعة مستقبل هذا البلد) فهو يؤمن تماما بالديمقراطية وبدولة القانون والمؤسسات ويوافق على 3 يوليو ويرفض فصلها عن انتفاضة الشعب فى 30 يونيو، ويرى أنه كان من المستحيل تغيير مرسى بالطريق الديمقراطى (الذى كنا نتمناه) ودون تدخل الجيش. وهذا الرأى ليس لديه عقدة خاصة من جيش بلده الوطنى، ويرى أن كل المجتمعات عرفت فى لحظات فارقة من تاريخها تدخلات استثنائية لإنقاذها من مصائر أصعب، وأن مصر كانت معرضة تحت حكم الإخوان إلى اقتتال أهلى وتفكك الدولة والجيش بصورة قد تؤدى إلى استدعاء الأمريكان، كما يتمنى البعض، لكى يشرفوا بالكامل على مسارنا السياسى. أما الرأى الثالث والأخير فهو الذى رفض بشكل كامل 3 يوليو واعتبرها انقلابا عسكريا، وفصل بين 30 يونيو و3 يوليو، واعتبر أن تدخل الجيش لم يكن أمرا حتميا، وهو يظل رأيا يحترم طالما لم يحرض على العنف ولم يخوّن مخالفيه فى الرأى.
والمؤكد أنى دافعت دائما عن الرأى الثانى، وإذا قررت فى يوم من الأيام أن أتراجع عنه أو أكتشف أنه كان خطأً، فحتماً لن يكون فى مؤتمر بواشنطن تنقله «الجزيرة مباشر».