توقيت القاهرة المحلي 18:10:43 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مرشح الثورة

  مصر اليوم -

مرشح الثورة

عمرو الشوبكي

لا أعرف سبب إصرار المرشح الرئاسى حمدين صباحى على وصف نفسه بأنه مرشح الثورة، بصورة قد يبدو فيها مخالفوه فى الرأى أو البرنامج وكأنهم أعداء للثورة أو من الثورة المضادة أو الفلول، ونعيد إنتاج نفس المفردات التى استخدمتها نظم استبدادية حكمت فى الماضى باسم الشرعية.
أفهم أن يكون هناك مرشح مؤمن بأهداف الثورة، وليس مرشح الثورة، التى إذا اختزلت نفسها فى شخص أو مشروع سياسى واحد فستكون كارثة حقيقية تُذَكِّرنا بحديث جماعة الإخوان عن الجماعة الربانية التى اعتبرت ضمناً أو صراحة أن ما عداها غير ربانى وناقص إيمان وربما كافر فى حالات المواجهة والصدام.
من الطبيعى إذن أن يكون هناك مرشح مؤمن بأهداف الثورة مثلما أنه من الطبيعى أن يكون هناك مرشح فى اليسار وآخر فى اليمين ومرشح فى حالتنا الحالية من داخل الدولة (السيسى) وآخر من قلب الحركة السياسية (صباحى) كل هذه الثنائيات لا تعنى أفضلية قيمية لأحد لأنه ثائر أو ابن الدولة أو ابن الدعوة الربانية وغيرها من المفردات التى امتلأ بها القاموس الإقصائى فى مصر بعد 25 يناير.
صحيح أن خطاب صباحى قد تغير، وصحيح أيضا أنه بدا فى مرات كثيرة أكثر انفتاحاً من بعض شباب حملته، بل إن حديثه عن مؤسسات الدولة مؤخراً فى برنامج الصورة الكاملة جاء بلغة جديدة، وتحدث عن التطوير وليس التطهير، والإصلاح وليس التفكيك، كما أن خطابه عن العدالة الاجتماعية ومرشح الغلابة مس مشاعر قطاع واسع من المصريين، خاصة بعد أن قدم معه وجهاً جديداً (ولو نسبياً) هو عماد عاطف الذى تحدث بشكل مميز عن مفاهيم جديدة للإدارة والعدالة الاجتماعية وغيرهما.
المدهش أن أحد سائليه من «الشباب الثورى» طالبه بأن يرفع نبرة نقده لمؤسسات الدولة وكأن رئيس الجمهورية مطالب بأن يقول: تسقط الداخلية أو يسقط حكم العسكر، وكأنه فى مظاهرة أو مازال رئيساً لحركة ثورية فى الجامعة، وليس مرشحا رئاسيا مسؤولا أولاً عن قيادة هذه المؤسسات وإصلاحها لا هدمها وتفكيكها أو، كما قال صباحى نفسه، تطوير وتحسين أدائها المهنى لصالح معظم العاملين فيها.
الخطاب الثورى والتفكيكى الذى رددته بعض المدارس الشيوعية أو مندوبو الفوضى الخلاقة ليس هو بالتأكيد خطاب صباحى، ولكنه يتقاطع أحيانا مع بعض مفرداته التى تخصم من رصيد المرشح الرئاسى، وتضعف من قدرته على استيعاب قطاعات واسعة من الناس الطبيعيين غير الثوريين، وربما غير المعجبين بطريقة كثير ممن يصفون أنفسهم بالشباب الثورى.
مدهش أن ينتظر كثير من «الغلابة» خطاب صباحى عن العدالة الاجتماعية، فى حين يصر هو على أن يذهب بهم فى مساحة أخرى تعتبر الثورة هدفاً وشعاراً، فحين ذهب الرجل للتضامن مع أهالى الشباب المعتقلين داخل نقابة الصحفيين فى موقف أخلاقى وسياسى يحسب له، لم يتأمل دلالة تصدى بعض هؤلاء الشباب له وتجاوزهم فى حقه وإساءتهم له، فى حين لو ذهب إلى ضحايا الفوضى والإهمال من الناس الغلابة فسيحملونه على كفوف الراحة وليس كما يفعل من امتهنوا الثورة واعتبروها وظيفة.
نفس الأمر تكرر بصورة أسوأ مع حسن شاهين، أحد قيادات حملته الانتخابية، عضو حركة تمرد، الذى اختار الخيار الأصعب، وهو تأييد مرشح فرصه فى الفوز ليست كبيرة، ورغم ذلك اعتدى عليه من تظاهروا أمام الاتحادية، يوم السبت الماضى، بالضرب والسباب، دون أن يدين هو أو حملته هذا التصرف المشين وكأن هؤلاء الشباب لهم حصانة خاصة لأنهم يسمون أنفسهم ثوارا.
لن يستطيع حمدين أن يأخذ أصوات غالبية أبناء الشعب المصرى إلا حين ينظر بعينين إلى ما جرى منذ 25 يناير و30 يونيو، فالحديث عن القصاص لضحايا العنف من المدنيين أمر عظيم ومطلوب وفق تجارب العدالة الانتقالية، ولكن حين يتجاهل (أو يراه قطاع واسع من المصريين أنه يتجاهل) أن هناك حوالى 500 ضحية من أبناء الشرطة والجيش سقطوا منذ 30 يونيو وحتى الآن، وحين يرون أن تعاطفه مع أهلهم باهت وغير واضح، وأنه ينسى أو يتناسى ليس فقط أنهم كتلة انتخابية كبيرة، إنما أيضا مواطنون مصريون سقطوا ضحايا العنف والإرهاب (الذى يدينه صباحى دون لبس)، وينالون تعاطف الجانب الأكبر من المصريين، لأنهم أصحاب قضية وطنية عادلة ولولا دماؤهم لما كانت هناك انتخابات رئاسة ولا كان هناك مرشح الثورة ولا مرشح الدولة ولا عملية سياسية من الأصل.
لماذا لم يَزُرْ هؤلاء «الغلابة» ممن لا يظهرون فى الإعلام، ولم ينالوا لقب ناشط وهم شهداء مثل شهداء ومصابى الثورة، وهم فى النهاية الأقرب لخطابه الذى يتحدث عن حقوق الفقراء والعدالة الاجتماعية؟!
صحيح هناك تجاوزات أمنية، وهناك اعتقالات عشوائية أحيانا ما تصيب أبرياء، وهناك بعض مواد قانون التظاهر التى تحتاج إلى مراجعة، ولكن هناك تيارا فوضويا وتخريبيا يرفض القانون لمجرد أنه قانون، ومع ذلك لم ينقده المرشح الرئاسى لمرة واحدة، رغم أن خطابه وخطاب أكثر شبابه ثورية لا ينتمى لهذه المدرسة فكريا وسياسيا، فى مفارقة تخصم من رصيده!
حين نكون أمام مرشح رئاسى فالجميع ينتظرون أن يتعامل معهم بمساواة وعدل، فبالتأكيد مرشح الإخوان فى الانتخابات الرئاسية الماضية لم ير أى ضحايا أو شهداء من خارج الجماعة، فى حين أن صباحى المؤمن بالدولة الوطنية والدستور المدنى الجديد يجب أن يكون خطابه متوازناً ويدافع عن العدالة للجميع وليس فقط «الثوار» أو «رجال الأمن»، إنما الجميع وبنفس الدرجة ونفس المضامين، بصرف النظر عما إذا كانوا ضحايا الغدر أو الإرهاب أو الفوضى أو أجهزة الأمن.
لن تتقدم مصر وتنجح فى بناء نظام ديمقراطى إلا إذا اعتبر ثوارها أن خصومهم ليسوا ثورة مضادة وعملاء للنظام القديم، كما قال الإخوان، إنما فقط خصوم مصر الحقيقيون هم كل من ارتكب جريمة فساد وإفساد فى العهد السابق أو الأسبق، ولم يحاسب وفق أى منظومة قضائية وقانونية وليست ثورية (راجع مقال الكاتب «لا للمحاكم الثورية» فى 2011)، كما يجب على من يعتبرون أنفسهم ممثلى الثورة أن يعتبروا أن هناك قوى اجتماعية لم تشارك فى الثورة، (هل سيعتبر مرشح الثورة العمد والمشايخ والعائلات التقليدية والطرق الصوفية ثورة مضادة أيضا لأنهم ليسوا ثوارا؟) وترفض خطابها وخطاب رموزها، ويجب أن يكون لها نفس الحقوق والواجبات مع من شاركوا فيها، فلا يجب أن تكون هناك حصانة خاصة يتصورها الثورى لنفسه تماماً مثلما فعل الإخوانى، فكانت النتيجة كارثة على الجميع.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مرشح الثورة مرشح الثورة



GMT 08:57 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

هل وصلت دمشق متلازمة 1979؟

GMT 08:56 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

جهتا العقل والقلب

GMT 08:55 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... ولحظة سقوط الجدار

GMT 08:54 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

مع حسّان ياسين والحُكم الرشيد

GMT 08:53 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

«زوبعة» اجتياح الخرطوم!

GMT 08:52 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

أین توجد مقبرة الملكة نفرتیتي؟

GMT 08:50 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا بحكومتين والثالثة في الطريق

GMT 08:49 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

عن الرئيس ورئاسة الجمهورية!

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:38 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر
  مصر اليوم - إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر

GMT 10:34 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024
  مصر اليوم - الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 11:46 2024 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

مبابي أفضل لاعب فرنسي في موسم 2023-2024 ويعادل كريم بنزيما

GMT 09:13 2023 الثلاثاء ,12 أيلول / سبتمبر

بلماضي يعلن أن الجزائر في مرحلة بناء منتخب قوي

GMT 20:43 2021 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

الرئيس السيسي يبحث القضايا الإقليمية مع نظيره القبرصي

GMT 02:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

رغدة تكشف كواليس مشاركتها في مسرحية "بودي جارد" مع عادل إمام

GMT 01:03 2020 السبت ,19 كانون الأول / ديسمبر

تقارير تؤكد أن لقاح كورونا يسبب العدوى أيضًا

GMT 08:57 2020 الخميس ,22 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسمنت في مصر اليوم الخميس 22تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 07:50 2020 الأربعاء ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الحديد في مصر اليوم الأربعاء 7 تشرين أول /أكتوبر 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon