توقيت القاهرة المحلي 18:40:51 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مرشح الدولة

  مصر اليوم -

مرشح الدولة

عمرو الشوبكي

من المؤكد أن فى تجارب العالم الديمقراطى يكون مرشح الدولة أو المؤسسة العسكرية مرشح الضرورة أو الاستثناء، وأن الطبيعى أن يأتى مرشح الرئاسة والحكم من الأحزاب والحركات السياسية.
والمؤكد أن هناك كثيرا من الأمم والتجارب، بما فيها بلاد ديمقراطية، جاءها رؤساء للجمهورية من قلب الدولة مثل ديجول فى فرنسا، وزعماء آخرين من خلفية عسكرية حكموا فى أمريكا الشمالية والجنوبية وفى أوروبا بوسائل ديمقراطية وظلوا كذلك.
صحيح أن هذا النموذج قد تراجع تقريبا فى معظم الدول الديمقراطية إلا فى عدد محدود من الدول مثل إندونيسيا التى جاء رئيسها من خلفية عسكرية بعد وضع شبيه بمصر، وبعد أن انتفض الشعب ضد نظام سوهارتو الذى استقال فى عام 1998، وبعد فشل النخبة المدنية فى إدارة البلاد، جاء الرئيس ذو الخلفية العسكرية للسلطة عقب انتخابات حرة. أما إسرائيل فمعظم رؤساء وزرائها من خلفية عسكرية لكنهم لا ينتقلون مباشرة من الجيش للسلطة إنما يقضون وقتا ليس بالقليل فى أحد الأحزاب السياسية ليمزجوا بين الخبرة العسكرية والسياسية.
والمؤكد أن فى مصر دولة مركزية ظلت تحكم البلاد بصورة مباشرة أو غير مباشرة منذ محمد على حتى الآن إلا فى استثناءات قليلة.
لذا لم تكن الدولة مجرد كيان مؤسسى شمل الجيش الوطنى والشرطة والقضاء والإدارة، وظفته السلطة الحاكمة لصالح مشروعها السياسى، إنما أيضا حكمت من خلال مؤسساتها، بشكل مباشر، أو عبر «أحزاب الدولة» التى نشأت واستمدت قوتها (وضعفها أيضا) من ارتباطها بمؤسسات الدولة.
والمؤكد أن سلطة الدولة كانت هى الحكم المباشر فى مصر منذ محمد على حتى ثورة 1919، وبعدها تصور الكثيرون أن الأمور آلت لحزب الوفد، قلب الحركة الوطنية المصرية، والحقيقة أنه على مدار أكثر من 30 عاما هى عمر التجربة شبه الليبرالية المصرية حكم الوفد 6 سنوات متفرقة، فى حين حكمت أحزاب الأقلية والقصر المرتبطة بمؤسسات الدولة معظم الفترة عبر انتخابات كثير منها مزور.
وجاءت ثورة يوليو 1952 من قلب الدولة المصرية ومن خلال تنظيم الضباط الأحرار، وأسست تنظيمات الدولة من هيئة التحرير ثم الاتحاد القومى ثم الاتحاد الاشتراكى الذى صمد حتى عام 1976، وبعدها قرر الرئيس السادات تحويل مصر إلى دولة تعددية حزبية، وأسس بدوره حزب الدولة الجديد مصر العربى الاشتراكى الذى غضب عليه السادات عام 1978 وقرر إنشاء الحزب الوطنى الديمقراطى، فهرول أعضاء حزب مصر إلى الحزب الجديد جريا وراء حزب الدولة الذى يقوده رئيسها، أى الرئيس السادات، وأصبحنا أمام مشهد غير متكرر فى تاريخ مصر والعالم أن يترك مئات الآلاف من البشر حزبهم الذى دخلوه طواعية ويهرولوا لحزب آخر لمجرد أن رئيس الدولة قرر تأسيسه.
وظل الحزب الوطنى فى الحكم 33 عاما، منها 30 عاما فى عهد مبارك الذى عرف حالة من الجمود والتدهور والفساد فى كل مؤسسات الدولة، وعرفت البلاد حالة من التجريف السياسى والمهنى غير مسبوقة فى تاريخها الحديث.
سقط نظام مبارك وبقيت الدولة وتفاءل الكثيرون بالمستقبل وبإمكانية نجاح الحركة السياسية فى قيادة الدولة وفى بناء مشروع سياسى جديد.
وجاءت الانتخابات الرئاسية السابقة، وكانت فى جانب كبير منها اختبارا بين مرشحى الحركات السياسية والدينية القادمين من خارج الدولة والمواجهين لها فى أغلب الأحيان، ومرشحى الدولة، وفاز مرسى ابن الجماعة الدينية بفارق بسيط فى مواجهة مرشح اعتبره أغلب المصريين مرشح الدولة وليس نظام مبارك.
وقد نسى البعض أن سقوط جماعة الإخوان كان أساسا ضربة للجماعة، ولكنه كان فى جانب آخر ضربة لمرشحى القوى السياسية المعارضة للدولة، والتى اعتبرها قطاع كبير فى الشارع المصرى مجرد أصوات احتجاجية ترفع شعارات ثورية ولا تقدم بديلا حقيقيا لمشكلات الواقع.
وقد تكون تلك معضلة حمدين صباحى الأساسية فى هذه الانتخابات أنه يترشح كمناضل سياسى وثورى فى وقت سئم فيه قطاع واسع من المصريين من الخطاب الثورى، وفقدوا الثقة فى مرشحى القوى والحركات السياسية لصالح انحياز واضح ومنذ البداية لمرشح الدولة.
والمؤكد أن مرشح الدولة الذى ظل أكثر من 40 عاما ضابطا فى القوات المسلحة المصرية أمامه أيضا تحديات كبيرة فهو لديه ظهير شعبى كبير، ولكن أدوات أى سلطة مهما كانت شعبيتها لا تحكم دون «وسائط»، أى أحزاب ومجتمع مدنى وليس فقط بأجهزة الدولة الإدارية والأمنية، كما أن حوارات السيسى الأخيرة رغم أنها نالت قبول غالبية أبناء الشعب المصرى، وقدمت صورة يبحث عنها أغلب المصريين، وهى صورة الرجل القوى الذى يحثهم على العمل والإنجاز فى ظل حالة الفوضى والاستباحة التى عرفتها مصر فى السنوات الأخيرة، إلا أنه غاب عنها أى تقدير واضح لصعوبة إدارة بلد بدون ظهير سياسى يصوغ ولو ملامح لمشروع ورؤية سياسية شاملة تتجاوز مسألة القدرة على إنجاز المشروعات الاقتصادية وحث المصريين على العمل والتضحية.
كما أن هناك تحدياً آخر يتمثل فى مدى قناعة مرشح الدولة بأن إدارة البلد بالدولة فقط دون وجود شراكة حقيقية مع القوى السياسية أمر سيضر بالبلاد مهما كانت الملاحظات (وهى كثيرة) على هذه القوى، والتى لو كانت فى حالة جيدة لما اختار الناس بهذا التأييد الجارف مرشح الدولة.
إن مساهمته فى خلق هذه الشراكة بتقديم مشروع سياسى جديد يعتبر أن نجاح مرشح الدولة هو دليل على أننا لم نصبح بعد بلدا طبيعيا، لأن البلد الطبيعى هو الذى يحكمه مرشح من الأحزاب، فهل سيكون السيسى جسرا للوصول الآمن لهذا الوضع عن طريق عدم تثبيت الوضع الاستثنائى الحالى المتمثل فى بقاء الدولة، وربما المؤسسة العسكرية، فى تقديم مرشحها الرئاسى، وهو أمر ليس مريحا لقطاعات واسعة من الأجيال الجديدة ومن القوى المدنية ولابد أن يضمن وربما يساعد على الانتقال من مرحلة مرشح الدولة (أو مرشح الضرورة بتعبير الأستاذ هيكل) إلى مرحلة المرشح المؤمن بالدولة.
أعتقد أن التحدى الأكبر الذى سيواجه مرشح الدولة هو فى قدرته على استيعاب طبيعة التحديات الجديدة التى تواجه المشروع الوطنى المنبثق من الدولة الوطنية التى يمثلها، بالنظر إلى حجم معارضيه الحقيقى والتمييز بينهم، وقدرته على تجديد أدوات الدولة فى الحكم، حيث لم تعد الطريقة الأبوية القديمة قادرة على جذب كثير من الأجيال الجديدة.
مرشح الدولة قد تكون مهمته الأساسية ليست فقط فى نجاح مشاريعه الاقتصادية على أهميتها القصوى وضرورتها، إنما فى أن يكون جسرا يضمن انتقال السلطة بعد 4 أو 8 سنوات لمرشحين من خارج الدولة ومن خارج مرشحى الضرورة، وهو شرط لا يتحمله وحده إنما أيضا تتحمله قوى المعارضة ويتمثل فى قدرتها على تقديم بديل سياسى جديد قادر على الحكم وليس فقط المعارضة.
"المصري اليوم"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مرشح الدولة مرشح الدولة



GMT 08:57 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

هل وصلت دمشق متلازمة 1979؟

GMT 08:56 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

جهتا العقل والقلب

GMT 08:55 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... ولحظة سقوط الجدار

GMT 08:54 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

مع حسّان ياسين والحُكم الرشيد

GMT 08:53 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

«زوبعة» اجتياح الخرطوم!

GMT 08:52 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

أین توجد مقبرة الملكة نفرتیتي؟

GMT 08:50 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا بحكومتين والثالثة في الطريق

GMT 08:49 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

عن الرئيس ورئاسة الجمهورية!

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:38 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر
  مصر اليوم - إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر

GMT 10:34 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024
  مصر اليوم - الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 11:46 2024 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

مبابي أفضل لاعب فرنسي في موسم 2023-2024 ويعادل كريم بنزيما

GMT 09:13 2023 الثلاثاء ,12 أيلول / سبتمبر

بلماضي يعلن أن الجزائر في مرحلة بناء منتخب قوي

GMT 20:43 2021 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

الرئيس السيسي يبحث القضايا الإقليمية مع نظيره القبرصي

GMT 02:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

رغدة تكشف كواليس مشاركتها في مسرحية "بودي جارد" مع عادل إمام

GMT 01:03 2020 السبت ,19 كانون الأول / ديسمبر

تقارير تؤكد أن لقاح كورونا يسبب العدوى أيضًا

GMT 08:57 2020 الخميس ,22 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسمنت في مصر اليوم الخميس 22تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 07:50 2020 الأربعاء ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الحديد في مصر اليوم الأربعاء 7 تشرين أول /أكتوبر 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon