بقلم - عمرو الشوبكي
لازالت موقعة كامب ديفيد فارقة فى التاريخ العربى، ولازالت حتى اللحظة محل انتقاد من قبل تيار واسع، كما أنها نالت تأييد قطاع واسع أيضا زاد بعد أن استقطب لصالحه جانباً من التيار المعارض.
والحقيقة أن جانباً من النقاش القاصر الذى دار فى مصر والعالم العربى حول كامب ديفيد تعلق بأنها أجهضت فرص مواجهة إسرائيل وتحرير الأراضى العربية بالمقاومة الشعبية أو المسلحة، فى حين أن الواقع يقول إنه لم تنتج كل جبهات الصمود والتصدى التى أسستها 5 دول عربية عقب كامب ديفيد أى مقاومة، ولم تطلق طلقة شاردة ضد إسرائيل، إنما اشتبك نظاما حزب البعث فى سوريا والعراق وتآمرا على بعضهما البعض، ثم دخل نظام صدام حسين فى حرب استمرت 8 سنوات مع إيران، ثم غزا الكويت وليس إسرائيل، فى حين دخل جيش حافظ الأسد بيروت لا القدس، وظل القذافى مركزا فى مؤامراته العابرة للقارات لا مواجهة إسرائيل.
إن انتقاد كامب ديفيد على أرضية أنها أجهضت مشاريع باقى الدول العربية فى مقاومة إسرائيل غير صحيح، لأنها لم تكن موجودة من الأصل، فى حين أن النقد الحقيقى الموجه لها يتمثل أساسا فى عدم استفادة مصر من السلام على مدار 45 عاما.
لقد استلم الرئيس مبارك البلاد «مقشرة» دون حروب ولا اقتصاد حرب، ومع ذلك فشل فى أن ينقلها نقلة نوعية كبرى مثلما جرى فى بلاد كثيرة (تركيا- ماليزيا- إندونيسيا- البرازيل وغيرها)، وظلت الحجة المضحكة المبكية مستمرة معنا بالقول بأن عدم تقدم مصر يرجع لأنها تدفع ثمن حروبها من أجل القضية الفلسطينية رغم مرور أكثر من نصف قرن على معظمها.
كامب ديفيد لم تضع مصر على أعتاب الرخاء كما وعد الرئيس السادات الشعب المصرى، كما أنها كانت المحطة الأولى والأخيرة التى امتلك فيها العرب أوراق قوة دفعت إسرائيل للانسحاب من أراضى احتلتها (باستثناء تجربة حزب الله حين كان مقاوما ونجح فى تحرير الجنوب اللبنانى من الاحتلال الإسرائيلى عام 2000).
إن المغريات التى يمكن أن تقدمها الدول العربية لإسرائيل بالتطبيع فى مقابل السلام لم تعد تحمل نفس الأهمية الآن، مثلما جرى مع مصر القوية فى عصر السادات، فالدول العربية فى حالة ضعف وانقسام داخلى غير مسبوق، وتطبيع علاقتها مع إسرائيل فى مقابل انسحابها من الأراضى العربية المحتلة ووقف بناء المستوطنات لم يعد أمرا مغريا لإسرائيل، أو بالأحرى هى ليست على استعداد أن تقدم ما سمته «تنازلات مؤلمة» من أجل سوريا الجريحة المنهارة أو فلسطين المنقسمة بين فتح وحماس.
ستبقى معضلة كامب ديفيد أنها لم تبن التقدم المنشود ولم تحقق نقلة حضارية كبرى لمصر، إنما حافظت على الوضع القائم فى عالم يركض من حولنا.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع