توقيت القاهرة المحلي 05:59:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

نهاية مقولة «امسك فلول»

  مصر اليوم -

نهاية مقولة «امسك فلول»

بقلم - عمرو الشوبكي

جاء رحيل الفقيه القانوني والسياسي المصري الكبير أحمد فتحي سرور، ليفتح جانباً من النقاش الذي دار في مصر عقب ثورة يناير (كانون الثاني) وتركز حول إقصاء رموز وقيادات نظام مبارك -أو النظام القديم- من الحياة السياسية، ورُفع وقتها شعار «امسك فلول» لمطاردة كل من مر على الحزب «الوطني» الحاكم (وهم بالملايين) حتى لو لم يتورط في أي جريمة فساد، ولكنه اختار الانضمام لـ«حزب الدولة» الذي كان في ذلك الوقت اسمه الحزب «الوطني»، وقبله سُمي حزب «مصر» وقبله سُمي «الاتحاد الاشتراكي»، وهو انضمام لتقديم خدمات لأهل دائرته الانتخابية وأهله وأحبابه، أو الترقي في المنظومة السياسية والاجتماعية. وروَّج لهذه التصورات «الإقصائية» بعض الجماعات الثورية، وأجندة جماعة «الإخوان المسلمين»، ورددها قطاع واسع من مؤيدي «يناير» قبل مراجعات كثيرة حدثت، ومياه هادرة غمرت البلاد.

والحقيقة أن كثيراً من تجارب التغيير العربية -ومنها مصر وتونس والسودان- تعاملت مع ما اصطُلح على تسميتهم «رجال النظام السابق» (الفلول) وكان بها أوجه قصور جسيمة، فاستهداف الأشخاص لمجرد أنهم انتموا لمؤسسات الدولة القديمة، حتى لو لم يرتكبوا أي جرائم كان خطأ فادحاً. وخرجت قوانين للعزل السياسي في أعقاب ثورة يناير، بدعم من «الإخوان» وبعض القوى المدنية (ولو قلة) مع كثير من القوى الثورية، وتم استدعاء نظريات ثورية من متاحف التاريخ، حدث فيها إقصاء وتنكيل برموز النظام القديم، كما جرى بالثورة الشيوعية في روسيا والصين.

والحقيقة أن تجارب التغيير والتحول الديمقراطي المعاصرة التي جرت في أوروبا الشرقية وأميركا الجنوبية، وبعض بلدان أفريقيا وآسيا، تجاوزت ما جرى في الثورات التاريخية الكبرى، وأقصت فقط مرتكبي الجرائم من رجال النظام القديم، وليس أعضاء الأحزاب القديمة؛ بل إن كثيراً منهم دخلوا في المنظومة الجديدة دون أي مشكلات أو قيود.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، مستشارة ألمانيا السابقة، أنجيلا ميركل، كانت من «فلول» النظام القديم؛ لأنها كانت عضواً في الحزب الشيوعي بألمانيا الشرقية، والذي اختفى ومعه البلد بأكملها لصالح منظومة جديدة أسست لألمانيا الموحدة، وكان المستشارة السابقة من قادتها.

إن عملية الإصلاح في التجارب التي أسست لدولة قانون ونظم ديمقراطية؛ لا لنظم استبدادية تحت ستار الدين أو الثورة أو الاشتراكية، هي التي حاسبت مرتكبي الجرائم من رجال النظام القديم، ولم تصفِّ الحسابات ولم تنتقم من الأشخاص؛ بل عملت على وضع منظومة جديدة تحول دون إعادة إنتاج «فلول» جدد مع النظام الجديد.

معضلة أي تجربة ترغب في بناء نظام جديد، تكمن في قدرتها على تفكيك المنظومة القديمة التي عاش في ظلها رجال النظام القديم، وليس استسهال الأمر كما فعل البعض مع الراحل فتحي سرور وغيره، بإقصاء بعض قيادات النظام القديم والإبقاء على المنظومة القديمة دون تغيير، في حين أن التحدي الحقيقي يكمن في قدرة أي نظام جديد على تفكيك المنظومة القديمة التي عُدَّت سيئة وفاسدة، وإقامة منظومة جديدة؛ لا جلب أشخاص موالين للنظام الجديد ليقودوا المنظومة القديمة نفسها، فتكون النتيجة إعادة إنتاج النظام القديم بوجوه جديدة.

إذا جاء أنقى ثوري وأعظم إصلاحي على قمة المنظومة القديمة، دون أن يمتلك رؤية واقعية لإصلاحها وإعادة بنائها، فإنه سيديرها بطريقة النظام القديم نفسها، دون أي تغيير يذكر.

معضلة ما جرى في مصر عقب ثورة يناير، وتكرر بصور مختلفة في تجارب أخرى، مثل السودان، أنه لم يعِ طبيعة ما جرى في مصر، ولم يهتم بمتابعة خبرات تجارب التغيير المعاصرة، لصالح خطاب ثوري يستهدف أشخاص ورموز النظام القديم، دون بذل أي جهد، من أجل بناء منظومة جديدة تفكك المنظومة القديمة، ولا تنتقم ولا تصفي حساباتها مع شخوصها، فكانت النتيجة هي اقتتال أهلي، وقبلها في مصر كان فشل المسار السياسي الذي أنتجته يناير.

إن الأحاديث الإيجابية لجانب كبير من السياسيين المصريين، وعلى رأسهم المعارضون، عن رئيس البرلمان المصري الأسبق فتحي سرور (بقي 21 عاماً رئيساً للبرلمان) جعلت كثيرين يراجعون موقفهم الإقصائي من رموز النظام القديم.

والحقيقة أن النقاش حول الراحل يجب ألا يقتصر حول تجربته «وماله وما عليه» فقط، إنما يجب أن يمتد ليشمل أهمية أن يكون في مصر وسيط سياسي مدني صاحب قرار، وأحد قياداته شخص بوزن فتحي سرور ومعه آخرون، بجانب مجموعة اقتصادية تؤمن بالعلم ودراسات الجدوى واقتصاد السوق، حتى لو اختلفنا مع كل أو بعض توجهاتها.

يقيناً، هامش الحرية الذي تمتع به نواب البرلمان أثناء رئاسة الدكتور فتحي سرور يرجع لاعتبارات كثيرة، منها اختيار الرجل نفسه رئيساً للبرلمان، وأيضاً وجود قناعة بضرورة وجود وسيط سياسي مدني بين الدولة والمجتمع، رغم أخطاء هذا الوسيط، فالمطلوب تصحيحها لا إلغاء وجوده من الأساس.

يقيناً، تجربة إقصاء قيادات وعناصر النظام القديم باءت بالفشل، في مصر وتونس والسودان. صحيح أن في تونس جرى التخلي عنها سريعاً، وبالتالي لم يكن لها التأثير نفسه الذي حدث في مصر والسودان.

إن إقصاء قيادات النظام القديم لصالح الاحتفاظ بالمنظومة القديمة نفسها، عادة ما يفرز قيادات أكثر سوءاً من السابقة، ويجعل الناس يترحمون على القيادات القديمة بعد فوات الأوان.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نهاية مقولة «امسك فلول» نهاية مقولة «امسك فلول»



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:38 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر
  مصر اليوم - إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر

GMT 10:34 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024
  مصر اليوم - الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 10:56 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح للعناية بالأرضيات الباركيه وتلميعها
  مصر اليوم - نصائح للعناية بالأرضيات الباركيه وتلميعها

GMT 01:09 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

اتفاق مبدئي على إعادة تشكيل السلطة التنفيذية في ليبيا
  مصر اليوم - اتفاق مبدئي على إعادة تشكيل السلطة التنفيذية في ليبيا

GMT 11:46 2024 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

مبابي أفضل لاعب فرنسي في موسم 2023-2024 ويعادل كريم بنزيما

GMT 09:13 2023 الثلاثاء ,12 أيلول / سبتمبر

بلماضي يعلن أن الجزائر في مرحلة بناء منتخب قوي

GMT 20:43 2021 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

الرئيس السيسي يبحث القضايا الإقليمية مع نظيره القبرصي

GMT 02:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

رغدة تكشف كواليس مشاركتها في مسرحية "بودي جارد" مع عادل إمام

GMT 01:03 2020 السبت ,19 كانون الأول / ديسمبر

تقارير تؤكد أن لقاح كورونا يسبب العدوى أيضًا

GMT 08:57 2020 الخميس ,22 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسمنت في مصر اليوم الخميس 22تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 07:50 2020 الأربعاء ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الحديد في مصر اليوم الأربعاء 7 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 00:27 2020 الأحد ,04 تشرين الأول / أكتوبر

ميناء دمياط يستقبل 8 سفن للحاويات والبضائع العامة

GMT 02:36 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

بريطانيا تحذر من موجة ثالثة لكورونا

GMT 09:11 2020 الإثنين ,21 أيلول / سبتمبر

20 مؤشرًا لصناعة الغاز الطبيعي خلال عام

GMT 03:30 2020 الإثنين ,22 حزيران / يونيو

موريتانيا تسجل 171 إصابة جديدة بفيروس كورونا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon