بقلم - عمرو الشوبكي
ارتكب تنظيم داعش جريمة إرهابية نادرة الحدوث حين استهدف الأسبوع الماضى فى باكستان مؤتمرًا لحزب جمعية علماء المسلمين، خلّف 54 شهيدًا فى مشهد دموى بائس وغير متكرر. وقد أعلن داعش عبر حسابه على تطبيق «تليجرام»، مسؤوليته عن هذا التفجير الانتحارى، وقال إنه «استهدف تجمعًا سياسيًّا فى منطقة شمال غربى باكستان»، وأن انتحاريًّا «فجّر سترته الناسفة وسط حشد كبير من أعضاء وقيادات حزب جمعية علماء الإسلام».
وتشهد باكستان زيادة كبيرة فى عدد الهجمات منذ عودة «طالبان» إلى الحكم فى أفغانستان عام 2021، ففى شهر يناير الماضى، فجر انتحارى نفسه فى مسجد داخل مجمع للشرطة فى مدينة بيشاور الواقعة شمال غربى باكستان، ما أدى إلى مقتل أكثر من 80 شرطيًّا، وتركزت هجمات المسلحين فى مناطق متاخمة لأفغانستان، وأن بعضها يتم التخطيط له على أراضٍ أفغانية، وهو ما تنفيه كابل.
العملية الإرهابية الأخيرة صادمة ومؤلمة لأنها استهدفت أكثر من 400 من أعضاء وأنصار حزب جمعية «علماء الإسلام»، كانوا يجتمعون سلميًّا تحت خيمة عند وقوع الهجوم فى بلدة خار القريبة أيضًا من الحدود مع أفغانستان.
والحزب كما هو واضح من اسمه حزب إسلامى يقوده علماء دين مسلمون، وهو حزب لا يتجاوز عدد أعضائه فى البرلمان 10 مقاعد، أى لا يحكم وغير مرشح أن يحكم، وبالتالى لا توجد أى حجة لتحاسبه على أفعال فى السلطة، وهو يدعو بسلمية لتطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية، ومع ذلك استُهدف بهجوم انتحارى غادر.
والسؤال المطروح: ما الذى يدفع شابًا فى عمر الزهور أن يفجّر نفسه وسط حشد لحزب إسلامى؟؟ ما الذى حُقن به عقائديًّا ودينيًّا حتى يتجه لمثل هذا الخيار ويتصور أنه سيدخل الجنة؟!.
صحيح أن داعش له تاريخ أسود فى عمليات إرهابية استهدفت أبرياء ومصلين مسيحيين أو من أصحاب المذاهب الإسلامية الأخرى وفق تفسيرات منحرفة لقادتهم المتشددين الذين شرّعوا القتل والعنف واستهداف الأبرياء فى كل مكان، ومع ذلك فإن هذه العلمية لم تجد تفسيرًا منحرفًا واحدًا يبررها إلا ضلالات حقيقية تتناثر على مواقع التواصل الاجتماعى.
لقد نسفت العملية الانتحارية التى استهدفت تجمعًا لجمعية علماء الدين فى باكستان الأسس العقائدية والتفسيرات الدينية المتطرفة والمنحرفة التى تبرر استخدام العنف بحق النظم الحاكمة وأحيانًا بحق أصحاب الديانات غير الإسلامية، أو المذاهب الأخرى من خارج أهل السنة، وذلك باستهداف مسالمين ومصلين مسلمين سنة، وهو فى النهاية حدث خارج أى تفسير ولو متطرف أو منحرف عرفته كل جماعات العنف والإرهاب فى تاريخها الطويل.
عملية باكستان مثل كل العمليات الإرهابية صادمة ودلالتها أنها جاءت على يد انتحارى قرر أن يقتل نفسه ويقتل آخرين من علماء دين لأسباب واهية وضلالات ختمت على قلبه وعقله.