بقلم - عمرو الشوبكي
لا تمتلك الدول فى الحروب فقط أوراق قوة عسكرية، إنما تمتلك معها أوراقًا اقتصادية وسياسية، وفى حالة الحرب الروسية فى أوكرانيا فإن الرئيس الروسى يمتلك بالتأكيد ورقة القوة العسكرية والورقة الاقتصادية وورقة الانقسام العرقى والسياسى داخل أوكرانيا، والذى تُرجم فى ضم إقليم القرم فى 2014 إلى روسيا، ثم الاعتراف بإقليم الدونباس كجمهورية مستقلة وقتال قواته إلى جانب الجيش الروسى.
الورقة العسكرية تشهد فيها روسيا تفوقًا أكيدًا رغم المقاومة والصمود الأوكرانى الذى لم يتوقعه كثيرون، ومع ذلك فإن الورقة الاقتصادية ستلعب دورًا حاسمًا فى الحرب الأوكرانية، فمن ناحية قام الغرب بفرض عقوبات قاسية على روسيا سيكون تأثيرها حاسمًا فى المستقبل المتوسط وليس المنظور، فى حال إذا لم تستطع روسيا إنهاء الحرب فى أقرب وقت والجلوس على مائدة تفاوض من أجل ضمان حياد أوكرانيا بصرف النظر عمّن يحكمها، بالمقابل فإن روسيا تمتلك أوراقًا اقتصادية كبرى ساعدتها على القيام بهذا الهجوم، وأهمها ورقة الطاقة.
هذه الورقة جعلت هناك تفاوتًا بين الموقفين الأوروبى والأمريكى تجاه روسيا، كما أن هناك فارقًا بين موقف ألمانيا وكثير من دول الاتحاد الأوروبى نتيجة اعتماد الأخيرة على أكثر من ثلث احتياجاتها من الطاقة على روسيا، وهو أمر مستحيل الاستغناء عنه أو إيجاد بدائل له فى المستقبل المنظور، رغم كل المحاولات الأمريكية للضغط على دول خليجية وبعض الدول الإفريقية بجانب فنزويلا لتكون بديلًا للطاقة الروسية، فقد بلغت فى العام الماضى صادرات روسيا من النفط الخام والمكثف 4.7 مليون برميل يوميًا؛ ما يعادل أكثر من 45% من إجمالى الإنتاج العالمى، البالغ 10.1 مليون برميل.
وكانت دول أوروبا لدى منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية هى المستورد الرئيس، بنحو 49% من إجمالى صادرات الطاقة الروسية، تليها منطقة آسيا بمقدار 38%.
وعلى مستوى الدول، استوردت الصين وحدها ثلث صادرات النفط الخام والمكثف الروسى فى عام 2021؛ أى 1.4 مليون برميل يوميًا، وتلقت هولندا وألمانيا مجتمعتين 1.1 مليون برميل يوميًا؛ ما يعادل ربع صادرات الطاقة الروسية، بينما استوردت الولايات المتحدة 199 ألف برميل يوميًا من النفط الخام الروسى، أى ما يعادل 4% من الإجمالى، وهى نسبة بسيطة يمكن للولايات المتحدة الاستغناء عنها دون أضرار كبيرة.
أما الغاز الطبيعى فبلغت صادرات الغاز الروسية 36% من إجمالى الإنتاج؛ واستحوذت خطوط الأنابيب الأوروبية على 84% من صادراتها، والباقى على هيئة غاز مُسال، وكانت أوروبا أكبر مستورد إقليمى للغاز الطبيعى الروسى بنسبة 74% من إجمالى الصادرات، وجاءت ألمانيا وتركيا وإيطاليا فى صدارة الدول المستوردة.
الورقة الاقتصادية ليست فقط فى يد الغرب، حتى لو كانت ورقته أقوى، ولكن الورقة الروسية أيضًا قوية، ومن شبه المستحيل الاستغناء عنها فى المستقبل المنظور.