بقلم عمرو الشوبكي
عنوان هذا المقال هو ترجمة لعنوان ورشة العمل التى عقدت فى تونس الأسبوع الماضى (radicalization et deradicalisatiom)
وانقسمت إلى 3 جلسات رئيسية: الأولى تحدث فيها د. محمد حداد، أستاذ الحضارة فى جامعة قرطاج، حول مفهوم التطرف، ولماذا يظهر «التطرف الإسلامى»، وعلاقته بالنص الدينى ومسؤولية السياق الاجتماعى والسياسى عن الإرهاب.
وتطرق حداد فى مداخلته إلى عنوان أحد الكتب الذى ظهر فى العقد الماضى فى سويسرا، وحمل عنوان إسلام السوق (L›islam du marché)، وتطرق إلى ظاهرة الدعاة الجدد وبرامج الفضائيات الدينية «اللايت» وملابس المحجبات «الشيك» وكيف أن هذه الظاهرة رغم انتشارها وتأثيرها لم تستطع أن تحارب التطرف والجماعات المتطرفة.
أما الجلسة الثانية فقد تحدث فيها وزير الأمن الوطنى السابق «رضا سفار» وأكد، مثلما فعل الخبيران الأمنيان الآخران اللذان تحدثا بعده، أن المعالجة الأمنية لن تستطيع بمفردها مواجهة الإرهاب، وتطرق إلى وضعية الشباب المنضم للجماعات المتطرفة والإرهابية بأنهم نتاج فشل اجتماعى وتصحر فكرى وهم خارج الأطر التعليمية ويعيش كثير منهم فى مناطق عشوائية أو على أطراف المدن الرئيسية وتحدث بلغة أقرب لأستاذ اجتماع منها إلى لغة مسؤول أمنى سابق.
نفس الأمر تكرر مع عميد الجيش التونسى السابق «توفيق عياد»، فقد قدم مداخلته بالفرنسية رغم أن الندوة باللغتين العربية والفرنسية، وأكد أن أى تحالف دولى لمواجهة الإرهاب تقوده أمريكا وبريطانيا مصيره الفشل (وكأنها عقيدة عسكرية فى العالم العربى)، واعتبر أن الجمهورية التونسية والنظام السياسى يتأثر أكثر من اللازم بما يقوله الإعلام، واعتبر أن هناك فروقات بين البلدان العربية فى الحرب على الإرهاب لا تمنع ضرورة التنسيق والتحالف بين «الدول الشقيقة والصديقة»، وفق تعبيره، وأنه لا بد من التوافق على خطاب سياسى مضاد لخطاب التطرف لا يقتصر على جانب واحد فقط إنما (مثلما يقول الجميع) الجوانب السياسية والاجتماعية والدينية والأمنية، ولم يختلف كلام مساعد وزير الداخلية السابق «رفيق شيلى» عما قاله زميلاه فى ضرورة عدم قصر مواجهة الإرهاب على المعاجلة الأمنية فقط.
أما الحقوقية التونسية ليلى حداد فلم تخرج عن الخطاب الحقوقى المعتاد فى هذا المجال، فقد انتقدت القضاء التونسى، واعتبرت أنه لم يخرج من جلباب النظام القديم، وأن المنظومة القضائية لم يشملها أى إصلاح، وأن هناك شبابا تم إيقافهم لمدة 10 أشهر بسبب الاشتباه فى انتمائهم لجماعات إرهابية دون تقديم أدلة تثبت ذلك، وردت على الانتقاد المتكرر أيضا ضد الحقوقيين بأنهم «يبيضون» وجه الإرهاب كل ذلك والخبراء الأمنيون يستمعون ويناقشون باحترام متبادل.
وتعليقى أن الأكثر إقناعا وعمقا فى هذا الحوار الرباعى كان بلا أدنى شك عميد الجيش التونسى المتقاعد، الذى تميز بثقافة واسعة ورؤية استراتيجية عميقة، وأيضا بعد قومى عربى واضح حتى لو فضل الحديث بالفرنسية (لأسباب لغوية وليست ثقافية).
أما الجلسة الثالثة فكانت عن التطرف الجهادى فى أوروبا، ولفت نظرى أن ثلاثة من المتحدثين الأربعة إيطاليون، ويعتبرون الإخوان المسلمين جماعة متطرفة حتى إن أحد المتدخلات، وهى روبرتا بونازى (Roberta Bonazzi)، فقد اعتبرت أن إيطاليا لم تنتصر على جماعة الألوية الحمراء اليسارية الإرهابية إلا بعد أن تراجع تأثير الحزب الشيوعى الإيطالى، واعتبرت أن الانتصار على الإرهاب لن يكون إلا بكسر خطاب الإخوان وإضعافه ببدائل سياسية وليست أمنية.
أما الاكتشاف الكبير فى هذه الورشة فكان حضور أستاذ الأدب العربى بجامعة روما فالنتينا كولمبو (Valentina Colombo)، وهى التى ترجمت 4 روايات من العربية إلى الإيطالية لأديبنا الأعظم نجيب محفوظ، وتحدثت عن ذكرياتها فى القاهرة، وتذكرنا معا الأديب والكاتب الراحل الكبير جمال الغيطانى، والذى كانت تربطها به وبأسرته صداقة عميقة.
وقد قدم هذا التيار الأوروبى أطروحة مضادة لأطروحة رائجة فى أوروبا تروجها بعض التيارات اليسارية والجماعات الحقوقية وتعتبر جماعة الإخوان المسلمين ضحية لنظام عسكرى، وأنها جماعة معتدلة وغير متطرفة، وقالوا إن هناك دورا للجماعة فى التأثير على عدد من القيادات السياسية فى إيطاليا من أجل توجيه قضية الطالب ريجينى فى اتجاه إدانة مسبقة للنظام المصرى، ويقوم طرحهم على إثبات أن الإخوان جماعة متطرفة خطر على أوروبا مثل اليمين العنصرى والمتطرف.
مر اليومان وانتهيت من كتابة المقال فى داخل طائرة مصر للطيران القادمة من تونس، وهى تعلن وصولنا إلى قاهرة المعز، فشكرا لمصر للطيران.