بقلم - عمرو الشوبكي
مشهد وزير الخارجية البريطانى المخضرم «ديفيد كاميرون» وهو يزور إسرائيل ويلتقى ببعض أهالى قتلى عملية ٧ أكتوبر ودرجة التأثر التي أبداها أمام المسؤولين والأهالى الإسرائيليين الذين تباروا في الحديث عن جرائم حماس وكيف أنهم ضحية «للإرهاب الفلسطينى»، وفى نفس الوقت تجاهل الرجل بشكل كامل الضحايا الفلسطينيين، ولم يتضامن مع 15 ألف مدنى فلسطينى قُتلوا بشكل متعمد في قطاع غزة.
بينهم 6 آلاف طفل على يد جيش الاحتلال الإسرائيلى. مسطرة العدالة الواحدة لا تفرق بين مدنى إسرائيلى وفلسطينى، ولا بين شعب ودولة وأخرى، حتى لو تغاضت عن أن هناك دولة احتلال تقمع شعبًا محتلًّا وتمسكت بمبدأ عدم استهداف المدنيين أيًّا كانوا ماداموا ليسوا في ساحات القتال، فإن أول ما سيلفت الأنظار هو الجرائم التي تحدث في غزة على مدار 49 يومًا، ويتجاهلها معظم كبار المسؤولين الغربيين، وخاصة البريطانيين والأمريكان.
والحقيقة أن هذا الانحياز الفج للدولة العبرية والتبرير الفج لجرائمها دفع البعض إلى القول إن هذا دليل على فشل النظم الديمقراطية وعلى عدم جدواها لأنها باتت مجرد شعارات تتشدق بها الدول الغربية، وعند التطبيق يتضح حجم الانحياز وسياسة الكيل بمكيالين وعدم احترام القوانين وقرارات الأمم المتحدة، التي يُفترض وفق بديهيات أي نظام ديمقراطى احترامها.
والحقيقة أنه يجب ألا يربط البعض في العالم العربى قضية الانحياز الغربى الفج لجرائم الاحتلال الإسرائيلى بجدوى أو جدارة النظام الديمقراطى ودولة القانون، إنما بمثالب النموذج الغربى بكل ما يمثله من جانب استعمارى وليس قيم الديمقراطية ومبادئ احترام حقوق الإنسان.
إن رفض السياسات الغربية يرجع إلى أنها خانت مبادئ الديمقراطية والمساواة وحقوق الإنسان، وليس لأن هذه القيم سيئة يجب التخلى عنها، بل إن وجودها كقاعدة للحكم بين الأوروبيين سمح لمئات الآلاف منهم بأن يتظاهروا تضامنًا مع أهل غزة، ودفع دولًا ديمقراطية أخرى من جنوب الكرة الأرضية في أمريكا الجنوبية وإفريقيا إلى سحب سفرائها أو قطع علاقتها بتل أبيب.
إن مبادئ دولة القانون والديمقراطية هي مبادئ عالمية، حتى لو كان الغرب قد أسس نظمه الحديثة على أساسها، إلا أنها تظل مبادئ يمكن أن تتبناها كل الدول والمجتمعات والثقافات، وليست حكرًا على الدول الغربية، كما فعلت بلدان كثيرة في آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية. العيب ليس في جدارة دولة القانون والنظم الديمقراطية ولا في كونها مبادئ عالمية.
حتى لو اختلف تطبيقها وفق السياق الثقافى والاجتماعى لكل بلد، والمطلوب في باقى دول الجنوب أن تحذو حذو معظم دول أمريكا الجنوبية، التي دعمت الشعب الفلسطينى وطبقت الديمقراطية ومعها كثير من قادة الحركات السياسية الغربية، بعيدًا عما فعله ديفيد كاميرون، الذي أصر على أن يرى ما يجرى في غزة بعين واحدة ويخون مبادئ الديمقراطية.