توقيت القاهرة المحلي 17:20:16 آخر تحديث
  مصر اليوم -

دروس من أفغانستان والعراق لغزة

  مصر اليوم -

دروس من أفغانستان والعراق لغزة

بقلم - عمرو الشوبكي

تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي الأخيرة بأن الدولة العبرية ستسيطر أمنياً على قطاع غزة، تؤكد أن إسرائيل لم تحاول استخلاص بعض العبر والدروس من حروب حليفتها الكبرى الولايات المتحدة و«غزواتها» في العراق وأفغانستان، والتي انتهت بمآسٍ كبرى دفع ثمنها مئات الآلاف من أبناء الشعبين، وأيضاً هزيمة كبرى للمشاريع الأميركية التي حاولت هندسة الواقع السياسي والاجتماعي والعسكري في كلا البلدين وكانت نتيجتها فشلاً مدوياً.

العِبر من الغزو الأميركي لأفغانستان والتخلص من حكم «طالبان» (2001) ومن الغزو الأميركي للعراق والتخلص من نظام صدام حسين (2003) كثيرة، وكلها لم تحاول إسرائيل أن تقرأها أو الاستفادة منها وهي تعيد تكرار تجارب الفشل نفسها في غزة وبصورة أكثر قسوة ودموية.

صحيح أن غزة ليست العراق و«حماس» ليست «طالبان»، لكن يقيناً الفكرة التي حكمت الغزو الأميركي لكلا البلدين وهي الاستئصال والاجتثاث لحكم «طالبان» وحكم «البعث»، وهندسة بديل سياسي جديد على «المقاس الأميركي» فشلت تماماً مثل الفكرة التي تحكم إسرائيل حالياً، وهي اجتثاث «حماس» والقضاء على المقاومة و«تنظيف» غزة لصالح بديل تصنعه أو تساهم في صنعه عبر سيطرتها الأمنية.

والحقيقة، أن الولايات المتحدة غزت العراق بحجة القضاء على أسلحة الدمار الشامل، وثبت كذبها، ولكنها في الوقت نفسه تصورت أنها يمكن أن تصوغ مشروعاً ديمقراطياً جديداً للعراق يكون نموذجاً لدول المنطقة واعتمدت أطروحة وزيرة الخارجية الأميركية الأسبق كوندوليزا رايس في الفوضى الخلاقة التي من خلالها راهنت على تأسيس شرق أوسط جديد على أنقاض القديم الذي وصفته بالاستبداد وتفريخ الإرهاب.

لم تبنِ أميركا بعد احتلالها العراق النموذج الذي أرادته، وتحولت حربها على الإرهاب إلى أحد أسباب انتشاره، كما أصبحت القوى المؤثرة على الأرض هي تنظيمات وميليشيات شيعية خارج مؤسسات الدولة ومعادية لأميركا ومرتبطة بالاستراتيجية الإيرانية. كما أن الحكومة العراقية الحالية اتسمت سياساتها بقدر من الاستقلالية عن الولايات المتحدة، ورفضت أن تصطف معها في مواجهة إيران والعكس أيضاً، بما يعني أن ما حاولت أميركا أن تهندسه في العراق حدث تقريباً عكسه.

أما في أفغانستان، فقد كانت أميركا أكثر سخاءً في الإنفاق على «نموذجها السياسي» مقارنة بالعراق، فقد أنفقت أكثر من تريليون دولار على تأسيس جيش جديد وسلّحته ودرّبته وبنت أشكالاً ديمقراطية ومؤسسات حديثة من الخارج، ولكنها من الداخل كان «يعشش» فيها الفساد وسوء الإدارة رغم مظهرها الحداثي.

20 عاماً قضتها أميركا في أفغانستان تبني نموذجاً بديلاً لـ«طالبان»؛ وفشلت لأنها كانت قوة احتلال، وانسحبت وتركت السلطة لحركة «طالبان» التي حاربتها منذ 2001.

والحقيقة، أن هذا الفشل لأكبر قوة عسكرية واقتصادية في العالم في اجتثاث أعدائها الذين حاربتهم في العراق وأفغانستان، وجاءتهم لتنتقم بعد اعتداءات 11 سبتمبر (أيلول) لم يلفت نظر إسرائيل، التي تحاول تكرار تجربة الاجتثاث مع حركة «حماس» في غزة، وتصنيع نموذج جديد لا يحمل أي مشاريع سياسية مثل التي روَّجت لها أميركا في تجاربها الفاشلة، إنما يعتمد فقط على القتل والتهجير.

إسرائيل ترتكز على القوة العسكرية الغاشمة وقتل المدنيين في رسالة ترويع من أجل عدم تكرار «7 أكتوبر (تشرين الأول)» مرة أخرى، وتعمل على ترتيب سيطرة أمنية على غزة منزوع عنها أي رؤية للحل السياسي، إنما اختراع أشكال مختلفة لاستمرار الاحتلال.

إن الخطط الإسرائيلية في تفريغ قطاع غزة والسيطرة الأمنية عليها قد تنجح لبعض الوقت، ولكنها لن تنجح طول الوقت، وستعود الأسباب نفسها (ومعها أخرى) التي أدَّت إلى تفجر المواجهة الحالية لتنفجر مرة أخرى في وجوه الجميع بصورة أكثر قسوة.

إن مشروع اجتثاث حكم «البعث» في العراق خلّف إرهاب «القاعدة» و«داعش» وميليشيات شيعية متطرفة، والفشل في خلق نموذج بديل في أفغانستان أعاد «طالبان» مرة أخرى للسلطة، ومشروع اجتثاث المقاومين والسيطرة الأمنية الإسرائيلية على غزة سيعيد العنف بصورة أكثر قسوة وعشوائية إلى كل الأراضي الفلسطينية وداخل إسرائيل. المطلوب فتح باب التسوية السلمية الذي سيؤدي إلى ظهور جيل جديد من القادة الفلسطينيين أكثر اعتدالاً وفهماً لما يجري في العالم من قادة «حماس» الحاليين.

فالاعتدال لن يأتي «بقرار» إسرائيلي أو دولي أو حتى عربي، ولن يأتي بسيطرة أمنية إسرائيلية على قطاع غزة، إنما بتغيير الواقع الموجود على الأرض وجعل حياة الفلسطينيين مثل باقي شعوب الدنيا طبيعية أو شبه طبيعية فيها مشاكل التنمية ومحاربة الفقر وبناء دولة القانون وليس حياة الذل والقتل والتهجير بسبب سياسات الاحتلال.

المطلوب في الأراضي الفلسطينية المحتلة أكثر بساطة من البدائل التي طرحتها أميركا في العراق وأفغانستان؛ لأنه يقوم فقط أو أساساً على إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس، وليس بناء نموذج وتصنيع نخبة على مقاس إسرائيل أو أميركا.

ما دامت إسرائيل دولة استثناء فوق القانون والشرعية الدولية لا تلتزم بقرارات الأمم المتحدة وتصرّ على استلهام تجارب الفشل الأميركية في أفغانستان والعراق بصورة أكثر دموية وعنفاً، سيضع المنطقة والعالم أمام مخاطر أكبر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دروس من أفغانستان والعراق لغزة دروس من أفغانستان والعراق لغزة



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:09 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه
  مصر اليوم - بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه

GMT 08:32 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريس "قلق جدا" لوجود قوات كورية شمالية في روسيا
  مصر اليوم - غوتيريس قلق جدا لوجود قوات كورية شمالية في روسيا

GMT 10:57 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

درّة تكشف تفاصيل دخولها لعالم الإخراج للمرة الأولى
  مصر اليوم - درّة تكشف تفاصيل دخولها لعالم الإخراج للمرة الأولى

GMT 04:39 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

جيش منظم على الإنترنت ضد "تزوير الانتخابات" يدعمه إيلون ماسك
  مصر اليوم - جيش منظم على الإنترنت ضد تزوير الانتخابات يدعمه إيلون ماسك

GMT 09:38 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الحوت

GMT 00:05 2023 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الأهلي يستقر على التجديد لعمرو السولية

GMT 07:13 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

جزء ثانٍ من فيلم «موسى» في صيف 2022 قيد الدراسة

GMT 13:06 2021 الثلاثاء ,08 حزيران / يونيو

أنشيلوتي يحسم موققه من ضم محمد صلاح إلى ريال مدريد

GMT 09:11 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الحمل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon