بقلم : عمرو الشوبكي
البعض يتصور أن القنوات السرية المفتوحة بين الغرب وإيران ترجع إلى وجود مؤامرة كونية على العرب، أبطالها كل دول العالم تقريبًا، وعلى رأسها إيران، وهناك مَن يتصور أن الحسابات المركبة التى تحكم أى عمل عسكرى أمريكى ضد إيران ترجع إلى تحالف سرى بين الجانبين يستهدف العرب دون غيرهم من دول العالم.
والحقيقة أن أمريكا تحسب بالورقة والقلم نتائج أى مواجهة عسكرية مع إيران ليس بسبب أى نظرية تآمرية، إنما ببساطة بسبب قوة أوراق إيران وقدرتها على إيذاء المصالح الأمريكية فى المنطقة.
والحقيقة أن أى مقارنة بين القرار الأمريكى بضرب العراق فى 1990 و2003 وبين ترددها فى الحرب على إيران فى 2019 لا يعنى تحالفًا سريًا معها، أو «عشقها فى الظلام»، إنما يعنى أنها تحسب جيدًا الأوراق التى تمتلكها إيران فى المنطقة، والتى أصبحت لها أذرع مؤثرة فى 4 دول عربية رئيسية، هى سوريا والعراق ولبنان واليمن، وهو على عكس صدام حسين حين خسر كل أوراقه وجيرانه عقب غزوه الكويت، وأصبح لقمة سائغة فى أيدى القوات الأمريكية وحلفائها فى حرب تحرير الكويت، التى كانت طريقًا لحصار العراق وإضعافه ثم إسقاط نظامه بغزو 2003.
والحقيقة أن أوراق إيران فى المنطقة تمثل امتدادًا لنظام داخلى «ممانع» جاء عقب ثورة كبرى، ولا يمكن مقارنته بتجارب ادعاء الممانعة الفاشلة فى العالم العربى «نظامى الراحلين معمر القذافى وصدام حسين أو بشار الأسد»، وبَنَت نظامًا سياسيًا ثوريًا اتسم بالحيوية، ولكنه غير ديمقراطى، وصمد أمام الحصار والعقوبات الأمريكية.
وقد مارست إيران سياسة توسعية تجاه الدول العربية والإسلامية، فروجت لخطاب ثورى يدافع عن المستضعفين فى الأرض، ثبت مع الوقت أنه مجرد واجهة لأطماع إيران وسياستها التوسعية، وظهرت الأذرع المذهبية لتصبح بمثابة الورقة الكبرى لإيران فى المنطقة، فكانت ذراع حزب الله فى لبنان، التى تحولت من حزب مقاوم للاحتلال الإسرائيلى إلى ميليشيا شيعية، وأعطت أمريكا ذراعًا «هدية» أخرى لإيران حين هدمت الدولة العراقية وقالت لإيران: «تفضلى»، سيطرى على هذا البلد عبر ميليشيات وأحزاب شيعية طائفية، خلط كثير منها بين الحرب على الإرهاب والانتقام من السُّنة، وجاءت الذراع الأخيرة، وهى الورقة الحوثية فى اليمن، التى تنتمى إلى المذهب الزبدى، الأقرب إلى أهل السُّنة، وتمددت فى بلد عرف كل صور الصراعات إلا الصراع المذهبى، ومع ذلك نجحت إيران فى إعطاء بُعد طائفى لصراعات اليمن السياسية والقبلية.
أوراق إيران فى المنطقة مؤذية، وهذا لا يعنى الاستسلام لها، لكنه يعنى أن الحرب الشاملة أو المحدودة ليست حلًا «ستدفع ثمنها باهظًا دول الخليج العربى»، إنما الضغط الاقتصادى والسياسى على إيران، من أجل تغيير سلوكها تجاه دول المنطقة لا تغيير نظامها، «لا يخصنا» ولا محاربتها.