بقلم - عمرو الشوبكي
شاركت، الأسبوع الماضى، فى مؤتمر حول العدالة الاجتماعية فى الشرق الأوسط بالتعاون مع جامعة صفاقس، وتوقعت أن أجد اختلافًا فى الدخول والخروج، مقارنة بعشرات المرات السابقة التى زرت فيها هذا البلد الرائع.
والحقيقة أنه لم يتغير شىء، فنفس الطابور الطويل فى الدخول والخروج حتى تصل إلى «مراقبة الجوازات» فتُنهى إجراءاتك فى دقائق معدودة، فلا توجد أى إجراءات أمنية استثنائية فى المطار ولا فى الشوارع. صحيح يشتكى الناس غلاء الأسعار والفساد، وفى الوقت نفسه فإن ثقة الكثيرين فى نزاهة الرئيس وطهارة يده كبيرة، حتى لو اعتبر الكثيرون أيضًا أن ذلك بمفرده غير كافٍ لإخراج البلاد من أزمتها.
وتدخل تونس العاصمة وتتواصل مع أصدقاء وتستمع لكلام النخب ورجل الشارع بكل حرية ودون أى قيود على حرية الرأى والتعبير، وحتى التليفزيون الوطنى أذاع زيارات للرئيس فى الأسواق يستمع فيها لشكاوى الناس من غلاء الأسعار والأزمة الاقتصادية.
بعض زملائنا من الجامعيين والمثقفين فى تونس يختلفون أولًا مع حركة النهضة ويُحمِّلونها المسؤولية الأولى للأزمة السياسية، ويؤيدون قرارات الرئيس الاستثنائية فى 25 يوليو، والتى جمّدت عمل البرلمان، ولكنهم يختلفون مع أدائه حاليًا ويطالبونه بضرورة الحوار مع الأحزاب والاتحاد التونسى للشغل من أجل إيجاد خريطة طريق وعدم الاكتفاء بالاستشارات الوطنية عبر وسائل التواصل الاجتماعى، والتى شارك فيها فقط نصف مليون مواطن.
فى تونس هناك أزمات مبررة وأخرى غير مبررة، فالغلاء أزمة عالمية وتونسية، والفساد أزمة عربية، لكن هناك أزمة التاكسى، التى تُذكِّرك بمصر فى سبعينيات القرن الماضى، فوقت الذروة تشاهد الناس يتحايلون على سائقى التاكسى لتوصيلهم، والعكس فى الأوقات المسائية حين يخف الضغط البشرى على المدينة، وتتساءل عن أسباب عدم حل هذه المشكلة، والإجابة أن نقابات العمال ترفض دخول «أوبر» السوق التونسية، وهو موقف يُحترم، ولكن لماذا لا تؤسَّس شركة وطنية تونسية للنقل الخاص مثل «أوبر»؟. هنا لا إجابة.
بلد مثل تونس متجانس، وتعداد سكانه 12 مليون نسمة، وبه نسبة أمية منخفضة وتعليم عام جيد ومنفتح على العالم، ومع ذلك لم يصبح متقدمًا كما يجب فى الخدمات والمصارف والسياحة!.
تونس لا تسهر فى المجمل إلا فى مناطق السهر، ومعظم مقاهى الشارع الرئيسى الحبيب بورقيبة تغلق أبوابها ما بين الثامنة والعاشرة، سيدى بوسعيد لا يزال مكانًا ساحرًا حيث تشاهد الجبل والبحر ومصريين لابد أن تراهم فى مقهى السيدى شبعان ذى الإطلالة الرائعة.
لم يتغير شكل سيدى بوسعيد منذ زياراتى الأولى لتونس منذ 15 عامًا، فلا ناطحة سحاب ولا لون غير اللون الأبيض.
المجالان العام والسياسى لم ولن يُغلقا فى تونس، ومازلت متفائلًا بمستقبل هذا البلد رغم التحديات الكثيرة. (إذا الشعب يومًا أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر).