بقلم:عمرو الشوبكي
تعود جذور تحالف اليسار فى فرنسا لعقود طويلة ماضية منذ أن تأسست الجبهة الشعبية التى ضمت تحالفا لأحزاب اليسار عام ١٩٣٦، ونجحت فى تشكيل حكومة يسارية، ولكنها عادت وشكلت تحالفا جديدا سمته أيضا الجبهة الشعبية، وضمت الحزب الاشتراكى والشيوعى وحزب الخضر وحزب فرنسا الأبية كممثل لأقصى اليسار، وذلك لمواجهة حزب اليمين المتطرف «التجمع الوطنى» الذى اكتسح الانتخابات الأوروبية وتعطيه استطلاعات الرأى المرتبة الأولى فى الانتخابات الفرنسية التى ستجرى فى ٣٠ من هذا الشهر.
والحقيقة أن خبرة أحزاب اليسار فى تشكيل التكتلات الانتخابية تقول إنها تنجح بصعوبة فى تشكيلها وتتعثر فى الحكم بروح التحالف الواحد، كما حدث فى الانتخابات السابقة التى قاد فيها حزب فرنسا الأبية تحالفا انتخابيا ناجحا لكنه تصدع تحت قبة البرلمان.
أما هذه المرة فقد نجحت أحزاب اليسار فى تشكيل الجبهة الشعبية الجديدة رغم وجود اختلافات عميقة حول عدد ليس بالقليل من الملفات الخارجية والداخلية، ولكنها اتفقت على هدف واحد هو مواجهة حزب أقصى اليمين أو «إخماد شعلة حزب التجمع الوطنى»، كما ذكر أحد قادة التحالف اليسارى الجديد.
وقد أعادت هذه الأحزاب التأكيد على الجوانب الاجتماعية التى اعتاد اليسار أن يضعها فى برامجه، مثل رفع الحد الأدنى للأجور والتخلى عن رفع سن التقاعد إلى 64 عاما، وإعادة فرض الضريبة على الثروة وغيرها من المطالب الاجتماعية.
صحيح هناك قضايا بين هذه الأحزاب مازالت محل خلاف وخاصة فيما يتعلق بالموقف من الحرب فى أوكرانيا، وأيضا الموقف من حركة حماس وعملية ٧ أكتوبر وهى خلافات تم تجاوزها عقب مفاوضات شاقة أسفرت توافقا (ولو مؤقتا) على مسائل تتعلق بالسياسة الخارجية انقسم حولها اليسار بعمق فى الأشهر الأخيرة. وإن بقيت قضية الموقف من حلف الأطلنطى (الناتو) محل تباين بين أطراف التحالف وتركت للمستقبل لأنه نظر إليها باعتبارها قضية جزئية.
يقينا شهد هذا التحالف تحولا فى الأوزان السياسية لكل حزب، فالانتخابات السابقة كان الوزن الأقوى فيها لحزب «ميلنشون» فرنسا الأبية الذى قاد هذا التحالف، واتخذ طوال الفترة الماضية وخاصة عقب حرب غزة مواقف جريئة ضد إسرائيل ودافع عن حقوق الشعب الفلسطينى، وطالب بوقف المجازر التى تجرى فى غزة، واستخدم قادته ونوابه عبارات إدانة لإسرائيل غير معتادة وسط النخب السياسية الفرنسية. أما فى الانتخابات الأوروبية والتى بسبب نتائجها حل ماكرون البرلمان الفرنسى فقد جاء حزب فرنسا الأبية فى المرتبة الرابعة بعد الحزب الاشتراكى الذى قفز من ٤٪ إلى حوالى ١٤٪ فى حين تراجع حزب فرنسا الأبية للمركز الرابع وحصل على حوالى ١٠٪.
سينجح تحالف اليسار الجديد فى إيقاف جزئى لليمين المتطرف، ولكنه اقترب أكثر من أى وقت للحصول على أغلبية برلمانية والوصول للرئاسة فى انتخابات ٢٠٢٧.