بقلم:عمرو الشوبكي
تقدم اليمين المتطرف، وحقق مكاسب كبيرة فى انتخابات البرلمان الأوروبى، دون أن يحصل على أغلبية مطلقة، وحلّ فى المرتبة الثانية، عقب تكتل اليمين المتحالف مع الاشتراكيين الديمقراطيين وتيار الوسط، والذى لا يزال يحتفظ بأغلبية أقل من التى حصل عليها فى البرلمان المنتهية ولايته.
أما فى فرنسا، فيمكن وصف ما جرى فيها بأنه «زلزال سياسى»، حتى لو كان متوقعًا، إلا أنه لم يتصور أحد أنه سيصل إلى هذه الدرجة، فقد حصل حزب التجمع الوطنى اليمينى المتطرف على أكثر من ضعف ما حصل عليه حزب الرئيس ماكرون، محققًا ٣١.٥% من أصوات الناخبين مقابل حوالى ١٥% لحزب الرئيس، كما عاد الحزب الاشتراكى الفرنسى بقوة إلى الواجهة السياسية، بعد أن تراجع بشدة فى السنوات الماضية، وحصل على ما يقرب من ١٤%، متقدمًا على الحزب اليسارى «فرنسا الأبية»، الذى حصل على حوالى ١٠%، ثم الحزب الجمهورى (اليمين الديجولى)، وحصل على حوالى ٧.٥% من أصوات الناخبين، ثم الخضر وأحزاب أخرى صغيرة.
وفى أعقاب تلك النتائج اتخذ الرئيس الفرنسى قرارًا شجاعًا بحل البرلمان لأنه لا يوجد ما يلزمه دستوريًّا وقانونيًّا بذلك، إلا أنه احترام إرادة الناخبين، التى لم تعطِ حزبه أغلبية فى البرلمان الأوروبى، فى الوقت الذى لديه أغلبية فى البرلمان الفرنسى.
والحقيقة أن شعبية ماكرون فى تراجع منذ عدة سنوات نتيجة تفاقم الأزمة الاقتصادية وزيادة أعداد المهاجرين، بجانب حفيظة كثير من الفرنسيين على مواقف اتخذها الرجل أثارت انتقادهم بصورة وصلت أحيانًا إلى حد السخرية، مثل إعلانه استعداد فرنسا إرسال قوات للحرب لجانب أوكرانيا، وهو الموقف الذى فتح عليه باب انتقادات كثيرة؛ لأن فيه من الادعاء وأوهام القوة غير المتناسب مع قوة فرنسا الحقيقية وقدراتها وأولويات الفرنسيين.
وقد هاجم كل رؤساء القوائم فى الانتخابات الأوروبية الرئيس الفرنسى، فقد اعتبره رئيس قائمة الجبهة الوطنية رئيسًا ضعيفًا، ولكنه أشاد بقراره حل البرلمان، فى حين اعترض عليه قادة القوائم الأخرى من أحزاب اليسار. والحقيقة أن حل البرلمان الفرنسى وإعلان موعد ٣٠ يونيو القادم موعدًا لإجراء انتخابات جديدة فى فرنسا سيترتب عليه سيناريوهان: الأول هو حصول حزب اليمين المتطرف على أغلبية مطلقة فى البرلمان تسمح له بتشكيل حكومة يتعايش معها ماكرون حتى نهاية ولايته الأخيرة بعد ثلاث سنوات. هذا السيناريو وارد، ولكنه غير مرجح لأن الطاقة المناوئة لليمين المتطرف التى خلقتها نتيجة الانتخابات الأوروبية سيكون لها تأثير كبير فى حشد الجميع ضده. أما السيناريو الثانى فهو بقاء الوضع على ما هو عليه؛ أى يتقدم حزب التجمع الوطنى ويحصل على المزيد من المقاعد وليس على أغلبية مطلقة، وتستمر حكومة قريبة من خط ماكرون حتى الانتخابات الرئاسية القادمة التى بات راجحًا فوز مرشح التجمع الوطنى بها.