بقلم : عمرو الشوبكي
المرأة فى حياتنا هى النصف الآخر من الحياة نفسها، وهى الأم والزوجة والصديقة، وأحوالها هى عنوان لأى بلد، فإذا كنا نتحدث عن مساواة واقعية وإنسانية داخل المجتمع لا بالهتاف الإعلامى والشعارات الكذابة، فإن هذا يعنى أننا أمام مجتمع متقدم تحكمه قوانين وقيم إنسانية قائمة على العدل والمساواة بين القوى والضعيف، والرجل والمرأة، والكبير والصغير.
نماذج المرأة فى حياتى كانت ملهمة، فبعد أن توفى والدى، وكنت أنا وشقيقى فى سن الصبا، اختارت أمى أن ترعى ولديها وتستكمل تربيتهما بمفردها بكل إخلاص وتفانٍ، وحين انضممت إلى قافلة الزواج المتأخر واستمعت لسنوات الجملة الشهيرة: «الحق قبل ما يفوتك القطر» (بعد الأربعين)، لم أجد من زوجتى الطبيبة والأستاذة الجامعية إلا كل تفهم وإخلاص، وهذه القدرة النادرة على الربط بين جهد العمل وجهود البيت وتربية الأبناء، مهما تحدثت عن مساعدات جزئية أقوم بها على طريقة معظم الرجال.
أذكر حين سافرت إلى فرنسا للدراسة أننى وجدت فى أغلب الأحيان المرأة هى الأكثر «جدعنة» والتزاماً، فهن فى محاضرات الماجستير يحضرن كل المحاضرات، وهن الأكثر مساعدة لزملائهن، خاصة الطلبة الأجانب، بنصيحة أو بتصحيح لغوى لبحث.
مازلت أذكر كيف تصرف بعض أصدقائى العرب، أثناء دراستنا فى فرنسا، حين جاءوا إلى بلاد الغربة وهم متزوجون بفتيات عربيات من بلادنا، وحققوا نجاحات فى عملهم، وجنوا أموالاً كثيرة، ثم قرروا- بعد 20 عاماً من الزواج من بنات البلد- أن يتزوجوا بفتيات أخريات أصغر منهم بعشرين عاماً أو أكثر، وتصور كل منهم أن زوجته ستستكين وتقبل بما سيعطيه لها «أبوالعيال»، وأنهن لن يطالبن بحقوقهن، ولكنهم اكتشفوا أن القانون أعطاهن حقوقهن كاملة، وأنهن قسمن مع أزواجهن كل أموالهم التى جنوها، وأمامى أكثر من حالة حصلت فيها الزوجة القديمة على كامل حقوقها بعد الطلاق.
وبعد العودة إلى مصر فى 1997 (تاريخ تعيينى فى مؤسسة الأهرام) وجدت معادلة «لا مساواة» بين الرجل والمرأة موجودة فى كل مؤسساتنا البحثية والصحفية، وذلك أن عدد الباحثات المتدربات دائماً أكبر من الرجال، ولكن نسبة المعينين مثلاً فى مركز الأهرام للدراسات من الرجال أكبر من النساء، ولم تأتِ مديرة واحدة للمركز حتى الآن، ونفس الأمر ينسحب على المؤسسات الصحفية، فرؤساء التحرير من النساء استثناء نادر، وكل الصحف الكبرى فى مصر (الأهرام والأخبار والمصرى اليوم) لم تعرف رئيسة تحرير واحدة «تخزى العين»، وكل الفريق التحريرى فى «المصرى اليوم» من الرجال بلا استثناء.
مفارقة أن تكون نسبة النساء فى صحافة مصر قريبة من نسبة الرجال، وفى بعض الأحيان تفوقها، وفى نفس الوقت فإن قيادات الصف الأول فى هذه الصحف غالبيتهم الساحقة من الرجال.
مظاهر لا مساواة فى كل مناحى العمل وفى النظرة للمرأة مازالت موجودة، وأحياناً مهيمنة داخل المجتمع المصرى، وعلينا فى يوم المرأة العالمى أن نعتبره فرصة للتضامن مع المرأة ودعوة إلى المساواة والعدالة فى عالم ميّز لفترات طويلة بين الرجل والمرأة، وأبقى المساواة لفترات طويلة حاضرة شعاراً لم يُطبق على أرض الواقع.
المرأة فى حياتنا وفى حياتى كانت فى أغلب الأحيان النماذج المضيئة والمشرقة.
نقلًا عن المصري اليوم