بقلم - عمرو الشوبكي
هل اقتربت الحرب فى أوكرانيا من نهايتها؟. نقول نعم. وهل ستسفر جلسات التفاوض التى تجرى فى تركيا بين الوفدين الروسى والأوكرانى عن المزيد من التقدم فى مفاوضات السلام؟. نعم، حدث، وكل التصريحات التى خرجت من المسؤولين الغربيين والروس والأتراك تؤكد حدوث تقدم، بل إمكانية ترتيب لقاء مباشر بين بوتين وزيلينسكى قريبًا. على الأرض يمكن القول إن هذه الحرب رغم قسوتها التزم فيها الطرفان بالقواعد الموضوعة للصراع بين القوى العظمى، فلم تتجاوز روسيا الخط الأحمر بالمساس بدول حلف الناتو، فضربت بالصواريخ قاعدة أوكرانية على بُعد أمتار قليلة من الحدود البولندية، ودون أن يُفلت صاروخ داخلها لأنها تعرف جيدًا أنه سيُعتبر عملًا عدائيًّا موجهًا إلى كل أعضاء الحلف قد يؤدى إلى مواجهة مسلحة يتجنبها الطرفان، كذلك لم يطبق حلف الناتو- رغم الإلحاح الأوكرانى- حظرًا جويًّا لمنع الطائرات الروسية من دخول أراضيه، كما فعل فى العراق، وحتى الطائرات الروسية الموجودة فى بولندا، والتى طالبت أوكرانيا بإرسالها إليها، تراجعت القوى الغربية عن تنفيذ هذا الطلب، بعد أن أعلنت روسيا أنها ستعتبره عملًا عدائيًّا ضدها. وقد نجحت روسيا فى حصار مدن الشرق والسيطرة على كثير منها، حتى لو كان على حساب تدمير كثير من أحيائها المدنية مثلما جرى فى المدينة الساحلية الاستراتيجية «ماريوبول»، التى تخوض حرب الشوارع فيها قوات شيشانية تحارب مع الجيش الروسى فى مواجهة القوات الأوكرانية. وانسحبت القوات الروسية من محيط كييف ومدن أخرى قريبة منها، وبدا واضحًا أنها تركز على مدن الشرق، ولم تعد حريصة على السيطرة على الأراضى الأوكرانية، إنما فقط المناطق التى تمثل أهمية استراتيجية لها مثل «ماريوبول»، التى ستعنى بالنسبة لروسيا إنشاء ممر يربط بينها وبين منطقة الدونباس وشبه جزيرة القرم، وبالتالى تمهيد الطريق لإحكام سيطرتها على بحر آزوف.
بالمقابل، تراجع كل طرف فى «مفاوضات السياسة» عن جانب مما كان يطالب به فى بداية الحرب، وأصبح الهدف الروسى واضحًا، وهو ضمان حياد أوكرانيا وعدم وجود أى أسلحة استراتيجية بما فيها صواريخ ومُعَدات غير نووية داخل أراضيها، ولم يفرق معها بقاء النظام الحالى أو تغييره، أما أوكرانيا فقد عرفت أنه رغم الدعم الغربى لها، فإن الغرب ليس على استعداد للدخول فى حرب مع روسيا من أجلها، وأن مقاومتها غيّرت جانبًا من معطيات هذه الحرب ولكنها لم تغيرها كلها نظرًا للفارق الكبير فى القوى العسكرية، كما أبدت مرونة كبيرة فيما يتعلق بإقليم القرم، الذى ضمته روسيا إليها باستفتاء شعبى فى 2014، فى حين أن النقاش لا يزال يدور حول الأقاليم الانفصالية فى «الدونباس». لن تستمر الحرب شهرًا آخر، وسيصل الطرفان إلى تفاهمات قريبة ستحقق فيها روسيا جانبًا من مطالبها دون أن تحقق انتصارًا كاملًا.