بقلم - عمرو الشوبكي
مع كل عمل فنى أو تصور فكرى وثقافى أو رأى سياسى غير مألوف، يُثار النقاش حول هل المطلوب وضع قيود على حرية الرأى والتعبير والإبداع، أم قواعد تنظمها مستمدة من الدستور والقانون والقيم المتوافَق عليها مجتمعيًا بعيدًا عن التصنيف السياسى لثنائية التأييد والمعارضة؟
والحقيقة أن الجدل «والتريند» الذى يدور فى مواجهة أى طرح أو تصور فكرى أو دينى وأحيانًا سياسى يخلط بين الرأى والتحريض، وتلك أزمة كبرى تحتاج إلى مراجعة خاصة مع حالة الهياج التى تصيب البعض مع كل رأى غير معتاد أو خارج المألوف.
إن الرأى الفكرى أو الدينى أو السياسى أو العمل الفنى والإبداعى يجب أن يُقيَّم على أنه رأى أو تصور وارد رفضه ووارد قبوله، ووارد أن يحتفى به النقاد وتلفظه الجماهير، والعكس أيضًا، والطبيعى أن يختلف حوله الناس.
مطلوب تحمُّل الرأى المخالف وقبوله، سواء من قِبَل الدولة أو المجتمع، لأنه مهما كان شططه فإنه لا يحمل آلية جبر مثل القرارات الرسمية أو الحكومية، وهو لا يفرض على الناس أن يتبنوه، وتصور البعض أن رأيًا صادمًا هنا أو رأيًا مخالفًا هناك سيهدم قيم المجتمع فيه عدم ثقة بالنفس غير مُبررة مطلقًا.
يخلط أيضًا النقاش حول حرية الرأى والإبداع بين العمل الفنى أو الإبداعى وبين الدعاية أو «البروباجندا»، فمثلًا لو أن فيلمًا تكلم عن الفقر مثلما جرى فى فيلم «ريش» فإن هذا لا يعنى أنه مع الفقر أو ضده أو أنه بهذا العمل الفنى قادر على حل مشكلته، إنما هو عرض واقع وفق رؤية مخرجه الفنية، قد يرفضه أو يقبله الناس.
والحقيقة أن الأعمال الفنية أو الآراء الفكرية أو الدينية التى أثارت جدلًا وهجومًا واتهامات لم تمتلك أى رسالة تحريضية أو آلية لإجبار مَن يشاهدها أو يستمع إليها على أن يتبناها، والخوف من الرأى حتى لو كان صادمًا فيه إساءة إلى قيمة حرية الرأى والتعبير والناس على السواء.
صحيح أن فى كل بلاد الدنيا هناك قواعد تنظم حرية الرأى والتعبير مستمدة من الدستور والقانون يراعيها معظم المثقفين ورموز الإبداع والأعمال الفنية، فلا يمكن مثلًا أن تنكر الهولوكوست فى أى عمل فنى أو رأى سياسى فى الغرب إنما يمكن المساس بالذات الإلهية والسخرية من الأديان، وهو أمر مُجرَّم فى مجتمعاتنا دستوريًا وقانونيًا ومرفوض من قِبَل الرأى العام.
القواعد المنظمة لا تمثل قيدًا على حرية الرأى والتعبير والإبداع، إنما تنظمها بما يتلاءم مع القيم الأساسية فى كل مجتمع، وفى نفس الوقت لا تعتبر الرأى الذى يقوله كاتب أو باحث أو فنان سيهدم المجتمع، فمادام لم يمارس تحريضًا ولم يُهِن المخالفين فى الرأى أو العقيدة فسيظل رأيًا يمكن قبوله أو رفضه.