توقيت القاهرة المحلي 00:10:50 آخر تحديث
  مصر اليوم -

من كامب ديفيد إلى تيران وصنافير

  مصر اليوم -

من كامب ديفيد إلى تيران وصنافير

بقلم : عمرو الشوبكي

حين وقّع الرئيس الراحل أنور السادات على اتفاقية كامب ديفيد عام 1979 اتُّهم بالخيانة من قِبَل كثير من العرب وبعض المصريين، لأنه تخلى عن القضية الفلسطينية وطبّع العلاقات مع إسرائيل قبل استعادة القدس وقيام الدولة الفلسطينية، ولم يشفع له أنه أعاد سيناء إلى حضن مصر، حتى لو اعتبرها البعض ناقصة السيادة منزوعة السلاح.

اتهام الرئيس السادات بالخيانة أمر تكرر فى تاريخنا العربى مع كثير من الزعماء والسياسيين بالحق والباطل، لكن كثيرين أعادوا الاعتبار له، كما تراجع كثير من معارضيه عن تخوينه حين اكتشفوا أن الرجل أعاد الأرض ولم يفرط فيها، حتى لو ترك القضية الفلسطينية لأهلها ولمَن قالوا إنهم حاملو لوائها، مستغلا أزمات وخلافات العالم العربى وتجاربه الفاشلة.

لقد اكتشف الجميع أن العرب الذين حاربوا السادات وخوّنوه لم يحاربوا إسرائيل ولم يحرروا القدس، إنما حاربوا بعضهم البعض، وشكّل بعضهم تحالفات نضالية «حنجورية» مثل جبهة الصمود والتصدى، التى لم تواجه إسرائيل بطلقة شاردة، إنما واجهت بعضها البعض بمؤامرات لا حصر لها (معارك حزبى البعث الحاكمين فى سوريا والعراق وغيرها).

وطنية السادات لم تعد محل شك من جانب غالبية معارضيه، أما أنصاره فقد تمسكوا بلقب «بطل الحرب والسلام»، حتى لو كان الرجل قد ارتكب أخطاء كبيرة فى إدارته السياسية فى الداخل وفى فردية كثير من قراراته فى الخارج، ورغبته الجامحة فى الظهور على ساحة الصحافة العالمية، خاصة الأمريكية، ومع ذلك ظل رئيسا مصريا وطنيا أخطأ وأصاب تبعا للتقدير السياسى لكل شخص.

والحقيقة أن خطاب التخوين عاد مرة أخرى فى مصر بعد عقود ثلاثة من الغياب (اتهم خصوم مبارك نظامه بالفساد وليس الخيانة)، وأطَلَّ برأسه مرة أخرى عقب اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، ما جعل المقارنة بين مسار كامب ديفيد و«خطافية» تيران وصنافير واردة فيما يتعلق بالأداء المصرى، وغير واردة فيما يتعلق بالبلدين اللذين وقّعنا معهما الاتفاقيتين، أى بين دولة عدوة وأخرى شقيقة.

لقد خوّن بعض المصريين النظام السياسى الحالى، واعتبروه فرّط فى الأرض وتنازل عن جزء من تراب الوطن، صحيح أن هناك تيارا آخر اعتبر أن مصر ردت الأمانة لأصحابها وأن الجزيرتين سعوديتان، إلا أن العودة للتخوين تكررت بعد أن تصورنا أن تلك الصفحة قد طُويت للأبد.

أما حين نقارن بين تحرك الرئيس السادات وتحرك الرئيس السيسى فنجد أنهما تشابها فى بعض الأمور واختلفا فى البعض الآخر، فنقطة التشابه هى عدم قبول الرأى المعارض مطلقا، فالرئيس السادات حل البرلمان عقب معارضة 15 نائبا لاتفاقية كامب ديفيد، التى لم يُعرض نصها عليهم، تماما مثلما حدث مع البرلمان الحالى، الذى لم يشاهد أعضاؤه نص اتفاقية ترسيم الحدود، فى حين تمسك النظام الحالى ببرلمانه، ولم يفكر فى حله لوجود 124 نائبا عارضوا الاتفاقية.

أما نقطة الخلاف فهى فى المجمل تتعلق بالفارق الكبير بين أداء النظامين، فقد أسست خطوة الرئيس السادات بزيارة القدس، ثم توقيع اتفاقية السلام، الأساس الفكرى والسياسى لمدرسة اليمين العربى، التى تبنت التسوية السلمية مع إسرائيل وبناء نظام رأسمالى فى الداخل فى مواجهة نظام عبدالناصر الاشتراكى، وأيضا إقامة تحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية، فى حين أن اتفاقية ترسيم الحدود الأخيرة لم تعتبر أن هناك من الأصل رأيا عاما يجب إقناعه بالخطوة، أو أن هناك رسالة قانونية وسياسية يجب أن تُقال للمؤيدين، وكأن المطلوب أن يظلوا دائما من الممسوحة عقولهم.

صحيح أن توقيع اتفاقية سلام مع دولة عدوة يختلف تماما عن اتفاقية ترسيم حدود مع دولة شقيقة، إلا أن تجاهل النظام السياسى الحالى لوقع هذه الاتفاقية على قطاع واسع من المصريين- والاتهامات التى كالها البعض لكل أركان النظام، حتى وصلت للتخوين- كانت تتطلب إدارة مختلفة جذريا عما تم، فالتخوين الذى جرى فى مواجهة الرئيس السادات قابله الرجل بإنجاز عملى على الأرض ومبررات قوية قدمها لأنصاره، استطاعوا من خلالها أن يدافعوا عن خطوته وعن أخطائه أيضا، مستثمرين فشل الآخرين، فى حين أن تجربة تيران وصنافير صنعت فى كل خطوة أزمة، بدءا من عرض الاتفاقية على القضاء، ثم تجاهل أحكامه وعرضها على البرلمان، رغم الحكم القضائى، كما غاب أى كلام جاد أو رسالة سياسية تعتبر الناس رقما فى أى معادلة إلا بعض التصريحات المقتضبة لرئيس الجمهورية بعدم الحديث فى الموضوع.

ولعل المفارقة هنا أن الرئيس السادات الذى أعاد الأرض اتهمه البعض بالخيانة تماما مثلما فعل تيار آخر مع النظام الحالى، صحيح أنه مع الوقت أُعيد الاعتبار لوطنية الرئيس السادات، فهل سيُعاد الاعتبار أيضا للرئيس السيسى فيما يتعلق باتفاقية ترسيم الحدود ويثبت مع الوقت أن الجزيرتين كانتا سعوديتين، وأن الرجل لم يفرط أو يتنازل؟

لو حدث ذلك فستبقى المشكلة فى غياب أى رواية قانونية أو رسالة سياسية بالاتفاقية فى الوقت الحالى، على عكس الرئيس السادات، الذى قدم رواية سياسية متكاملة سوّقت لما هو أصعب، أى السلام مع عدو، وليس الاتفاق مع شقيق.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من كامب ديفيد إلى تيران وصنافير من كامب ديفيد إلى تيران وصنافير



GMT 08:29 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

الإجابة عِلم

GMT 08:25 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

العرق الإخواني دساس!!

GMT 08:16 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

وزراء فى حضرة الشيخ

GMT 08:05 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

نجاة «نمرة 2 يكسب أحيانًا»!!

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 13:09 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

دواء مضاد للاكتئاب قد يساعد في علاج أورام المخ
  مصر اليوم - دواء مضاد للاكتئاب قد يساعد في علاج أورام المخ

GMT 20:39 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

يوسف الشريف خارج دراما رمضان 2025
  مصر اليوم - يوسف الشريف خارج دراما رمضان 2025

GMT 22:12 2019 الجمعة ,24 أيار / مايو

البورصة الأردنية تنخفض 1.01% في أسبوع

GMT 21:55 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

أبوريدة يبحث ترتيبات مباراة مصر وتونس مع وزير الشباب

GMT 22:51 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشاف نوع جديد من العناكب الذئبية جنوب إيران

GMT 21:31 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

حنان ترك غاضبة من حلا شيحة بعد خلعها الحجاب

GMT 07:06 2018 الثلاثاء ,19 حزيران / يونيو

أبوسعدة يكشف عن تنفيذ قطر حُكم تعويض أسر القتلى

GMT 18:35 2018 الثلاثاء ,08 أيار / مايو

آبل تستبدل بعض هواتف "iPhone X" التي تعاني من مشاكل

GMT 17:43 2018 الثلاثاء ,08 أيار / مايو

حمادة صدقي يعلن دراسة السنغال بشكل جيد
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon