بقلم - عمرو الشوبكي
قبل إعلان المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار فى غزة وبعدها، وهناك شعور لدى قطاع واسع من الرأى العام العربى بغياب وسيط أو جناح أو حزب سياسى يمثل حركة حماس وقادر على التأثير فى الجناح العسكرى وربما قيادته.
وقد تكون هذه من المرات النادرة فى تاريخ حركات المقاومة أن نجد تنظيما مسلحا لا يستطيع قادة جناحه السياسى التواصل الدقيق مع الجناح العسكرى ولا مع القوى الكبرى، يما فيها القوى السياسية الداعمة للشعب الفلسطينى، كما لا توجد أى علاقة بينهم وبين المنظمات الإنسانية والحقوقية الدولية المتعاطفة مع القضية الفلسطينية، على عكس تجارب حركات التحرر الوطنى التى كان لقادتها السياسيين حضور فى كل دول العالم، من منظمة التحرير الفلسطينية مرورا بجبهة التحرير الجزائرية.
وانتهاء بالمؤتمر الوطنى الإفريقى، ومثلوا غطاء شرعيا للجناح العسكرى وحاولوا قدر الإمكان أن يؤثروا فى الرأى العام العالمى ويدافعوا عن قضايا شعوبهم، وهو بلا شك غير متاح لحركة حماس لأسباب تتعلق ببنيتها العقائدية والأيديولوجية، واستهداف إسرائيل لها، وتصنيف العالم الغربى لها كجماعة إرهابية.
لا يمكن تخيل انتصار الثورة الجزائرية المسلحة ضد المستعمر الفرنسى دون وجود الجناح السياسى لجيش التحرير الوطنى ممثلا فى جبهة التحرير الجزائرية، وإن النهايات الأخيرة للاستعمار الفرنسى فى الجزائر جاءت عقب تشكيل جناح سياسى يفاوض المستعمر.
تمثل فى حكومة مؤقتة تأسست فى المنفى فى 19 سبتمبر1958، كما قررت القيادات السياسية والعسكرية إنزال الشعب الجزائرى إلى الشارع لدعم العمل العسكرى، كما نظمت فى أكتوبر 1961 مظاهرات فى عاصمة البلد المستعمر «باريس»، دعا لها الاتحاد الفرنسى لجبهة التحرير الوطنى، وكانت جميعها بمثابة أدوات ضغط سياسى على فرنسا حتى استقلت الجزائر.
أما فى جنوب إفريقيا فقد شهدت فى البداية نضالا سياسيا مدنيا على يد حزب المؤتمر الوطنى الإفريقى، لكن بعد القمع والحظر الذى تعرض له الحزب وإطلاق النار على المتظاهرين السلميين الرافضين لسياسة الفصل العنصرى، أسس نلسون مانديلا (رمز التسامح) فى 1961 جناحا عسكريا سماه «رأس الحربة»، وأصبح رئيسا له واعتقل وحكم عليه بالسجن مدى الحياة، وأطلق من محبسه جملته الشهيرة «اتحدوا! وجهزوا! وحاربوا! إذ ما بين سندان التحرك الشعبى، ومطرقة المقاومة المسلحة، سنسحق الفصل العنصرى»؛ وهو ما حدث.
صحيح هناك اختلاف كبير بين سياق «حماس غزة» وتجارب التحرر الوطنى الأخرى، إلا أن الأمر الذى لا جدال فيه أنه لا يمكن لحركة مقاومة مسلحة أن تنتصر بعمليات عسكرية فقط مهما كانت درجة إتقانها أو تأثيرها على الاحتلال، ولا بد أن يكون هناك وسيط سياسى قضيته الأساسية التواصل مع العالم ومع الدول الحليفة والمحايدة، بل وحتى المعادية، وأن يكون قادرا على التفاعل المباشر مع أى مبادرات تقدم، وأن يؤثر فى الرأى العالم العالمى.