بقلم - عمرو الشوبكي
عادة ما يطالب الكثيرون «بفتح المجال العام» وتوسيع هامش الحريات السياسية وحرية الرأى والتعبير وهو مطلب مشروع في كل زمان ومكان، ولكن بالتأكيد لا يمكن الحديث عن فتح المجال العام قبل العمل على وضع قواعد قانونية لتنظيمه وتحديد قواعده.
ويصبح من المطلوب وضع قواعد مهنية وتفاهمات سياسية تنظم المجال العام ليس فقط أو أساسًا بالمعنى الإدارى والإجرائى، إنما بمعنى القواعد السياسية والمهنية الحاكمة له وحتى خطوطه الحمراء، والتى على أساسها يتم دمج النخب والقوى السياسية داخل المجال العام الشرعى والآمن.
فمثلًا هل يعقل أن ننتقل في بدايات الألفية الثالثة من الحديث عن حوالى 27 حزبًا في مصر إلى الحديث الآن عن أكثر من مائة حزب 90% منها مجرد اسم ورخصة.
وفق نظرية فتح المجال العام فإنه سيعطى للجميع الحق في حمل اسم حزب حتى لو كان مجرد عنوان رئيس الحزب (وليس بالضرورة شقة مستقلة) ورخصة، في حين أن تنظيم المجال العام يقول إن الحزب الذي لن يحصل على 1% من أصوات الناخبين يلغى ترخيصه الحزبى، وبالتالى يصبح في البلد 10 أو 15 حزبًا حقيقيًّا بصرف النظر عن حجم تمثيلها في البرلمان، أو توجهها وبرنامجها السياسى.
تنظيم المجال العام يتطلب أيضًا التوافق على أن محاربة الإرهاب وقضايا الأمن القومى يناقشها المتخصصون مع دوائر صنع القرار، أما باقى القضايا التي تتعلق بالمحليات والسياسات العامة من صحة وتعليم ومواصلات فهى التي مطلوب فورًا أن تخضع لنقاش عام علنى.
إن تنظيم المجال العام بفتح النقاش حول قضايا بعينها والاستماع لآراء الخبراء والمتخصصين بدءًا من أولويات التنمية مرورًا بسياسات «تطوير» الأحياء وانتهاء بشبكة الطرق والكبارى المرحب بها على الطرق السريعة والمرفوضة داخل الأحياء السكنية التي يبحث أهلها أولًا عن المشى بأمان وعن أماكن آمنة لعبور المشاة وليس حارات متسعة تجرى فيها السيارات.
قضايا النقاش العام ليست ترفًا ولا «مكياج» على وجه أي نظام سياسى، إنما هي في جوهرها طريق للحفاظ على استقرار أي بلد لأنها ستشعر الناس أنهم شركاء وقادرون على التأثير ولو في قضايا المحليات، وستضمن انتقالًا تدريجيًّا منظمًا نحو بناء دولة القانون.
إذا تعوَّد الناس على المشاركة في قضايا المحليات والسياسات العامة بشكل سلمى، سيعنى أنهم سيكونون قادرين في المستقبل القريب على مناقشة القضايا الكبرى، واختيار أفضل لممثليهم في البرلمان والعمل على بناء دولة القانون.
تنظيم المجال العام والتفاهم على المساحات الآمنة للتنافس والنقاش مثل انتخابات المحليات والبرلمان والصراع على تشكيل الحكومة والجدل الساخن حول قضايا السياسات العامة- ستعنى أن مصر تقدمت خطوات حقيقية نحو عملية إصلاح سياسى شامل والانتقال الآمن نحو بناء دولة قانون.